الاعتكاف مأخوذة من عَكَفَ على الشيء، وأصله: لزوم الشيء ومداومته، هذا أصله لزوم الشيء ومداومته، ومنه قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[الأنبياء: ٥٢] أي: لها ملازمون، وكذلك:{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}[الأعراف: ١٣٨] أي: يلازمونها، ويداومون عليها.
لكنه في الشرع: لزوم مسجد، وأعلم أن الغالب أن الحدود أو التعريفات الشرعية تكون أخص من التعريفات اللغوية؛ يعني: أن التعريفات اللغوية غالبًا تكون أعم وأوسع من التعريفات الشرعية.
إذن التعريفات الشرعية تخصص عموم المدلولات اللغوية الزكاة مثلًا في اللغة: النماء لكن في الشرع ليست كذلك مخصصة.
الصلاة كذلك في اللغة: الدعاء، ولكنها في الشرع أخص، إلا شيئًا واحدًا وهو الإيمان، فإن الإيمان في اللغة: التصديق، لكنه في الشرع: قول، وعمل، واعتقاد، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، فإنهم يجعلون الإيمان مدلوله شرعًا أوسع من مدلوله لغة لا نعلم شيئا كذلك إلا الإيمان.
الاعتكاف الآن هو لغة: لزوم الشيء، لكن شرعًا لزوم مسجد لطاعة الله تعالى، هذا الاعتكاف، (لزوم مسجد لطاعة الله) فقوله: (لزوم مسجد) خرج به لزوم الدار، لو أن الإنسان اعتكف في بيته، وقال: أنا لا أخرج إلى الناس فأفتتن في الدنيا، ولكني أبقى في بيتي عاكفًا، قلنا: هذا ليس اعتكافًا شرعيًّا، هذا يسمى عُزلة، ولا يُسمى اعتكافًا.
وهل العزلة عن الناس أفضل أو لا؟
في هذا تفصيل:
من كان اجتماعه بالناس خير، فترك العزلة أولى، ومن لا يؤثر اختلاطه بالناس وبقاؤه في بيته خير؛ لأنه رجل سريع الافتتان يخشى على نفسه من الفتنة فبقاؤه في بيته خير، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم، فالمسألة فيها تفصيل.