إذن (لزوم مسجد) خرج به لزوم البيت، وخرج به لزوم المدرسة، وخرج به لزوم الرباط، لو كان هناك ربط لطلبة العلم يسكنونها ويبقون فيها، فإن لزومها لا يعتبر اعتكافًا شرعًا.
وخرج به لزوم الْمُصَلَّى، لو أن قومًا في عمارة ولهم مصلَّى، وليست بمسجد، فإن لزوم هذا المصلَّى لا يعتبر اعتكافًا؛ لأنه لا بد أن يكون لزوم مسجد.
وما هو الدليل على ذلك، قوله تعالى:{وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة: ١٨٧] فجعل محل الاعتكاف هو المسجد.
(لطاعة الله)(اللام) هنا للتعليل؛ يعني: أنه لزمه لطاعة الله، لا للانعزال عن الناس، ولا من أجل أن يأتيه أصحابه ورفقاؤه يتحدثون عنده، قال فلان وقيل لفلان وقالت الدولة الفلانية، لا، هو لطاعة الله، فأنت تلزم المسجد للتفرغ لطاعة الله عزّ وجل، هذا الاعتكاف.
وبهذا نعرف أن أولئك الذين يعتكفون في المساجد، ثم يأتي إليهم أصحابهم من يمين وشمال ومن جوانب المسجد، ثم يأتون يتحدثون بأحاديث لا فائدة منها، نقول: هؤلاء لم يأتوا بروح الاعتكاف؛ لأن روح الاعتكاف أن تمكث في المسجد لأي شيء؟
الطلبة: لطاعة الله.
الشيخ: لطاعة الله عزّ وجل.
وهل ينافي ذلك؛ أي هل ينافي روح الاعتكاف أن تعتكف في المسجد لطلب العلم؟
نقول: لا شك أن طلب العلم من طاعة الله، لكن الاعتكاف يكون للطاعات الخاصة كالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، وما أشبه ذلك، ولا بأس أن تحضر درسًا أو درسين في يوم أو ليلة؛ ولو أنت معتكف؛ لأن هذا لا يؤثر على الاعتكاف، فمجالس العلم إن دامت، وصار الإنسان في هذا المسجد يطالع دروسه، ويحضر الجلسات الكثيرة التي تشغله عن العبادة الخاصة، فهذا لا شك أنه فيه نقص، لكن الشيء العارض أو القليل من الكثير لا بأس به، ولست أقول: إن هذا ينافي الاعتكاف، كما قلت بالأول، الذين يجلسون ويتحدثون بعضهم إلى بعض هؤلاء لا شك أنهم فعلوا ما يفَوِّت عليهم روح الاعتكاف.