يقول المؤلف:(مسنون) خبر ثان لـ (هو)، أين الخبر الأول؟
لزوم في الخبر الأول ذكر تعريفه، في الخبر الثاني ذكر حكمه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، أذكر حد الشيء وتعريفه، ثم بعد ذلك أذكر حكمه، حتى يكون الحكم منطبقًا على معرفة الصورة.
(مسنون) ولم يقيده المؤلف بزمن دون زمن، ولا بمكان دون مكان، وعلى هذا فيكون مسنونًا كل وقت؛ لأن المؤلف لم يقيده، ومسنون في كل مكان؟
نقول: لا، ليس مسنونًا في كل مكان؛ لأنه بالأول قال:(لزوم مسجد) لكنه مسنون في كل مسجد، كل مساجد الدنيا فإنه يسن فيها الاعتكاف، وليس خاصًا بالمساجد الثلاثة، كما روي ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم قال:«لَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ»(١٥) فإن هذا الحديث ضعيف.
ولو صح فالمراد به: لا اعتكاف تام إلا في المساجد الثلاثة، ويدل على ضعفه:
أولًا: أن ابن مسعود رضي الله عنه وهَّنَه، حين ذكر له حذيفة رضي الله عنه أن قومًا معتكفين في مسجد بين بيت حذيفة وبيت ابن مسعود رضي الله عنه، فجاء إلى ابن مسعود زائرًا له، وقال: إن قومًا كانوا معتكفين في المسجد الفلاني، فقال له ابن مسعود رضي الله عنه لعلهم أصابوا فأخطأت وذكروا فنسيت (١٦)، فأوهن هذا حكمًا ورواية.
أما حكمًا ففي قوله: أصابوا فأخطأت، وأما رواية: حفظوا ونسيت، والإنسان لا شك معرض للنسيان.
فنحن نقول: إن صح هذا الحديث فالمراد به لا اعتكاف تام؛ يعني أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون الاعتكاف في المساجد الثلاثة، كما أن الصلاة فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة.
ويدل على ذلك أيضًا -أنه عامٌّ في كل مسجد- قوله تعالى:{وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة: ١٨٧].
{فِي الْمَسَاجِدِ}(ال) هنا لو كان الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الثلاثة لقلنا: (ال) هذه للعهد الذهني، ولكن أين الدليل؟