الشيخ:(كتجديد وضوءٍ وغُسْل جمعة)، غُسل الجمعة طهارة مستحَبَّة، وهذا رأي جمهور أهل العلم، وسيأتينا إن شاء الله تعالى أنَّ غُسل الجمعة على القول الراجح واجبٌ، لكن على المشهور من المذهب وقول جمهور أهل العلم أن غُسلَ الجمعة غُسلٌ مستحَبٌّ، فإذا استُعمِل الماء في غُسل الجمعة فإنه يكون طَهُورًا لكنه مكروه.
وما هو المستعمَل في الغُسل؟ هو الذي يتساقط من الجسم بعد الاغتسال وليس الماء الذي يُغترَف منه.
الدليل قوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة: ٦] والغَسل يصدق بواحدةٍ ولَّا لا؟ يصدق بواحدة، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه توضَّأ مرَّةً مرَّةً (٣)، إذَنْ فالثانية والثالثة تكون طهارةً مستحبَّةً، فما استُعمِل في الغَسْلةِ الثانيةِ والثالثةِ فإنه يكون طَهُورًا لكنه مكروه، والعِلَّةُ: الخلاف في سلبه الطَّهورية.
والصواب في هذه المسائل كلِّها يا إخواني أنه لا يُكرَه؛ لأن الكراهة حكمٌ شرعيٌّ، والحكم الشرعيُّ يفتقر إلى دليلٍ، وكيف نقول لعباد الله: إنه يُكرَه لكم أن تستعملوا هذا الماء، وليس عندنا دليلٌ من الشَّرع؟ ! هذا صعب.
ولذلك يجب أن نَعرِف أن منْع العباد مما لم يدلَّ الشرعُ على منْعِهِ كالتَّرخيصِ لهم فيما دَلَّ الشَّرعُ على منْعِهِ؛ لأن الله جعلهما سواءً؛ {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ}[النحل: ١١٦]، بلْ قد يقول قائلٌ: إن تحريم الحلال أشدُّ من تحليل الحرام؛ لأن الأصلَ الحِلُّ، والله عز وجل يحبُّ التيسير لعباده.
***
ثم قال المؤلف:(وإنْ بَلَغَ قُلَّتينِ وهو الكثيرُ).
(بَلَغَ) الضمير يعود على ماذا؟ على الماء الطَّهور.