ومِيقاتُ أَهْلِ المدينةِ ذو الْحُلَيْفَةِ، وأهلِ الشامِ ومصرَ والمغربِ الْجُحْفةُ، وأهلِ اليمنِ يَلَمْلَمُ، وأهلِ نَجْدٍ قَرْنٌ، وأهلِ المشرِقِ ذاتُ عِرْقٍ، وهي لأهلِها ولمَنْ مَرَّ عليها من غيرِهم، ومَن حَجَّ من أهلِ مَكَّةَ فمنها،
( ... ) فهل نقول هذا قادر؟ لا، لا يكون قادرًا إلا بعد قضاء الديون والكفارات وغيرها.
فإذا قال قائل: لو أن صاحب الدين أَذِن له أن يحج، فهل يكون قادرًا؟
الجواب: لا؛ لأن المسألة ليست مسألة إِذْن أو عدم إذن، المسألة شَغل الذمة أو عدم شَغْلها.
ومن المعلوم أن صاحب الدين إذا أذن للمدين أن يحج فإن ذمته لا تبرأ من الدين؛ يبقى الدين في ذمته.
إذن فنقول: الحج الآن ليس واجبًا عليه، اقض الدين أولًا ثم حُجَّ، وأنت لو لاقيت ربك قبل أن تحج ولم يمنعك من ذلك إلا قضاء الدين فإنك تلاقي ربك كامل الإيمان؛ لأن الحج في هذه الحال لم يجب عليك؛ فكما أن الفقير لا تَجِب عليه الزكاة، ولو لقي ربه للقي ربه على إسلامٍ تام، فكذلك هذا المدين الذي لم يتوفر لديه مال يَقْضي به الدين ويحج به يلقى ربه وهو تام الإسلام.
طيب، وما يفعله أو ما يظنه بعض المدينين الآن من أن العلة هي عدم إذن الدائن فإنه لا حقيقة له ولا أصل له؛ ليست العلة أن الدائن يأذن أو لا يأذن؛ العلة أن الذمة تبقى مشغولة أو تبرأ هذه العلة.
ومعلوم أنه لو أذن له أن يحج فهل يَبْرَأ من شيء من الدين؟ أبدًا.
طيب، فإذا قال قائل: لو أنه أمكنه أن يحج بمصلحة له مالية، بحيث يُعْطَى أجرة؛ يعني يكون الرجل هذا عاملًا جيدًا، فيستأجره أحد من الناس ليحج معه، إما بقافلة، وإما بالأهل، ويعطيه مثلًا ألف ريال في الشهر أو بعشرة أيام، وهو لو بقي في البلد لم يستفد ألف ريال، لا بالشهر ولا بعشرة أيام، فهل له أن يحج هنا؟ نعم، له أن يحج، ولا يمنع الدَّيْن وجوب الحج إذا كان الدين أقل مما سيعطى، أمّا إذا كان أكثر فإنه لا يزال باقيًا في ذمته، فيمنع الوجوب.