يقول قائل: لماذا هذا التفريق بين هذه المواقيت فبعضها بعيد وبعضها قريب؟
والجواب على هذا السؤال: أنه لا ينبغي إيراده؛ لأن هذا السؤال نظيره أن يقول قائل: لماذا كانت الظهر أربعًا والعصر أربعًا والمغرب ثلاثًا والفجر اثنتين؟ لماذا لم تكن الظهر ثمانية والعصر كذلك والعشاء كذلك والمغرب خمسًا والفجر أربعًا؟
فالعبادات المقدَّرة لا يَرِد السؤال عنها؛ لأن موقف الإنسان منها أن يقول: سمعنا وأطعنا، لكن مع ذلك لا حرج على الإنسان أن يلتمس الحكمة؛ لأن الاطلاع على الحكمة مما يزيد الإنسان طمأنينة.
الحكمة -والله أعلم- أنه بَعُد ميقات أهل المدينة من أجل أن تقرب خصائص الحرمين بعضهما من بعض، فالمدينة حرم ومكة حرم، وحرم مكة محدود، لكن الإحرام بالنسك من خصائص أيش؟ حرم مكة، فكان من الحكمة ألا يخرج الإنسان من حدود حرم المدينة إلا قليلًا حتى يدخل فيما يختص بحرم مكة؛ هذا -والله أعلم- هو الحكمة.
أما البقية فلعلها -والله أعلم- أن الجحفة في ذلك الوقت هي أعمر قرية كانت حول طريق أهل الشام، وأما الثلاث الباقية فمتقاربة.
ثم هذه المواقيت وقَّتها النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها ولمن مَرَّ عليهم من غيرهم؛ ولهذا قال المؤلف:(وهي لأهلها).
(هي) الضمير يعود على المواقيت.
(لأهلها) أي: أهل هذه الأماكن المذكورة؛ المدينة، الشام، اليمن، نجد، المشرق. هذه المواقيت لأهل هذه البلاد.
(ولمن مَرَّ عليها من غيرهم)، إذا مَرَّ أحد من أهل نجد بميقات أهل المدينة فإنه يُحْرِم منه، ولا يكلَّف أن يذهب إلى ميقات أهل نجد.