وإذا مر أهل اليمن من ميقات أهل المدينة فإنهم لا يُكَلَّفون الذهاب إلى يلملم لما في ذلك من المشقة؛ فكان من تسهيل الله عز وجل أن مَن مر بهذه المواقيت فإنه يحرم من أول ميقات يمر به؛ فإذا كنت من أهل نجد ومررت بميقات أهل المدينة فأمامك بين يديك ميقات آخر: وهو الجحفة، أمامك الجحفة؛ لأن الجحفة من بعد ذي الحليفة، فهل تؤخِّر إلى الجحفة أو لا بد أن تحرم من ذي الحليفة؟
نقول: لا بد أن تُحْرِم من ذي الحليفة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:«وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ»(١٢)، فإذا وصلت إلى هذا الميقات وأنت تريد الحج أو العمرة وجب عليك الإحرام منه.
واختلف العلماء فيما إذا مر الشاميُّ بميقات أهل المدينة، هل له أن يؤخر الإحرام إلى الجحفة التي هي الأصل في ميقات أهل الشام؟
اختلفوا في ذلك على قولين: فالجمهور على أنه ليس له أن يؤخر، وأنه يجب أن يحرم من ذي الحليفة.
وذهب الإمام مالك إلى أن له أن يحرم من الجحفة، معللًا ذلك بأن هذا الرجل مرَّ بميقاتين يجب عليه الإحرام من أحدهما فرعًا، ومن الثاني أصلًا.
ما هو الأصل؟ الجحفة، وميقات أهل المدينة فرع، فهو للتسهيل والتيسير على الإنسان، فله أن يدع الإحرام من الفرع إلى الأصل.
واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: للشامي إذا مر بذي الحليفة أن يؤخر الإحرام إلى الجحفة.
ولكن الأحوط الأخذ برأي الجمهور؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ»(١٢)، فوقَّت هذا لمن أتى، فيكون هذا الميقات الفرعي كالميقات الأصليِّ في وجوب الإحرام منه، والقول بهذا لا شك أنه أحوط وأبرأ للذمة.
هذه المواقيت الخمسة عَيَّنها الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن تُفْتَح، فالشام في عهده لم يفتح، اليمن في عهده لم يفتح إلا جزء يسير منه، العراق لم يفتح.