للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأقوال إذن ثلاثة: الأبعد، الأفضل من الميقات، الأفضل، الأسهل، وهذا هو الأقرب. وعليه فإذا كنت في مزدلفة فأحرم من عرفة؛ لأنها أقرب الحل إليك، وإذا كنت من جهة الشرائع وأنت داخل الحرم فالجعرانة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أحرم منها حين جاء من الطائف من غزوة حنين (٢)، المهم اتبع الأسهل.

طيب، يقول: (وعمرته من الحل). هذا هو القول الذي عليه جمهور أهل العلم: أنَّ من كان في مكة وأراد العمرة فإنه يحرم من الحل.

ودليل هذا القول أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما طلبت منه عائشة أن تعتمر، أمر أخاها عبد الرحمن وقال: «اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ مِنَ الْحِلِّ» (٣)، فأمره أن يخرج بها من الحرم لتهل بالعمرة من الحل، فدل ذلك على أن الحرم ليس ميقاتًا للعمرة، ولو كان ميقاتًا للعمرة لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بأخته ويتجشم المصاعب في تلك الليلة ليحرما من الحل أو لتحرم من الحل؛ لأن من المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام يتبع ما هو أسهل ما لم يمنع منه الشرع، فلو كان من الجائز أن يُحْرَم بالعمرة من الحرم لقال لها: أحرمي من مكانك.

طيب، فإذا قال قائل: ماذا تقولون في قول النبي عليه الصلاة والسلام: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» (٤)، ثم ذكر المواقيت وقال: «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ»، مع أنه في الحديث قال: «مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ» (٥)، فظاهر العموم أن العمرة لأهل مكة تكون من مكة.

قلنا: هذا الظاهر يعارضه حديث عائشة أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أخاها أن يخرج بها لتحرم من التنعيم.

فإن قال قائل: عائشة ليست من أهل مكة، فأمرت أن تخرج إلى الحل لتحرم منه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>