الشيخ: قال بعض العلماء: إنه حرامٌ على الْمُحْرِم لعموم قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}، وقالوا: هذا صيدُ بَرٍّ فيحرم على الْمُحْرِم ولو كان الذي قتله حلالًا. واستأنسوا لرأيهم هذا بحديث الصعب بن جثَّامة حين صاد حمارًا وحشيًّا فجاء به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فردَّه وقال:«إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ»(١٢)، ولم يقل: إلَّا أنَّك صِدْتَه لنا. وقولُهم قويٌّ لا شك.
ولكن الصحيح أنه يحلُّ للمُحْرِم، وأنَّ معنى قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ} أنَّ {صَيْدُ} مصدرٌ؛ يعني حُرِّم عليكم أنْ تصيدوا صيدَ البرِّ، وليس بمعنى: مَصِيد، وهذا الْمُحْرِم ليس له أثرٌ في هذا الصيد؛ لا دلالة، ولا إعانة، ولا مشاركة، ولا استقلال، ولا صِيدَ من أجْله، فيكون الصيدُ حلالًا.
ويؤيد ذلك قصة أبي قتادة رضي الله عنه حين ذهبَ مع سريَّةٍ له على سِيف (١٣) البحر في عام الحديبية، فرأى حمارًا وحشيًّا، فركبَ فرسَه، فنسي قوسَه أو رُمْحه، فقال لأحد أصحابه: ناوِلْني الرمحَ. قال: ما أُناولك إيَّاه؛ أنا مُحْرِم. نزل وأخذه ومشى، فضرب الصيد، فجاء به إلى أصحابه فأطعمَهم إيَّاه، ولكنه صار في قلوبهم شكٌّ، حتى وَصَلُوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فأذِنَ لهم في أكْله مع أنهم حُرُم (١٤). فيجمع بينه وبين حديث الصعب بن جثَّامة بأنَّ أبا قتادة صاده لنفسه، وأنَّ الصعب صاده للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الجمع أَوْلى من النسْخ؛ لأن بعض العلماء قال: إن حديث الصعب ناسخٌ لأنه متأخِّر، وقد ردَّه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إنَّا حُرُم. والصحيح أنه مع إمكان الجمع لا نسْخَ، والجمع ممكن.
فإذا قال قائل: أبو قتادة رضي الله عنه معه قومُه وصاد الحمار، كيف يريده لنفسه وما صاده إلا لقومه؟