وسبق لنا أن المباشرة هي المحظور التاسع، وأنها إن أنزل فيها ففيها بدنة إذا كانت قبل التحلل الأول، وبينا أن القول الصحيح في هذا أنه لا تجب فيها البدنة، وأنه لا يصح قياسها على الجِماع لما بينهما من الفروق الكثيرة، وسبق لنا أن المؤلف -رحمه الله- وهم في نقل حكم مسألة إلى أخرى؛ وذلك في قوله في المباشرة:(إنه يحرم من الحل لطواف الفرد)، وبينا أن هذا سهو من المؤلف، وأنه إنما ذكر العلماء ذلك فيمن جامع بعد التحلل الأول، وبينا أن إحرام المرأة كالرجل إلا ما استثني، وبينا علة ذلك، وأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل، وبينا أنها تجتنب البرقع والقفازين والنقاب وتغطية الوجه على رأي المؤلف، وبينا أن الصحيح أنه لا يلزمها كشف الوجه، وإنما المحرم هو النقاب، وفرق بين النقاب الذي هو لباس، وبين التغطية التي هي مجرد ستر، وبينا أن ما اشتهر من أن إحرام المرأة بوجهها غير صحيح، وبينا أنه يباح التحلي، ولكن بشرط أن لا تتبرج به.
ثم قال المؤلف:(باب الفدية)
الفدية: ما يُعطى فداء لشيء، ومنه فدية الأسير في الحرب حيث يعطينا شيئًا، ثم نفكه، فالفدية كل ما يُعطى فداء لشيء فهو فدية، والفدية أقسام، بل ينبغي أن نقول: إن محظورات الإحرام تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: ما لا فدية فيه، وهو عقد النكاح.
والثاني: ما فديته مُغلَّظة؛ وهو الجماع في الحج قبل التحلُّل الأول.
والثالث: ما فديته الجزاء أو بدله، وهو قتل الصيد.
والرابع: ما فديته فدية أذى، وهو بقية المحظورات.
هذه القسمة حاصرة تُريح طالب العلم. وفدية الأذى: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام متتابعة، أو متفرقة، أو ذبح شاة، تُذبح وتُوزَّع على الفقراء؛ هذه فدية الأذى مأخوذة من قوله تعالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة: ١٩٦].