نرجع إلى كلام المؤلف، يقول رحمه الله:(صيام ثلاثة أيام)، هل يشترط التتابع؟ لا يشترط التتابع؛ لأن ما أطلقه الشرع يجب أن يكون على إطلاقه، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لكعب بن عجرة:«صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»(١٢) ولم يقيدها. وفي صوم المتعة قال الله تعالى:{صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}[البقرة ١٩٦]، فأطلق ولم يشترط التتابع، وعلى هذا فلا يُشترط التتابع لا في صيام المتعة، ولا في صيام فدية الأذى، بل إن شئت صم يومًا بعد يوم، وإن شئت صمها متتابعة. أنت بالخيار، وهكذا نطلق كل ما أطلقه الشرع؛ لأن إضافة قيد إلى مطلق في غير دليل من الشرع تضييق لشرع الله؛ لأنك كلما زدت قيدًا ضيقت درجة ولا بد.
فإذا قال قائل: ألستم تقولون: إن كفارة الأيمان ثلاثة أيام متتابعة، والله عز وجل أطلق، قال:{فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}[المائدة: ٨٩]؟
فالجواب أنه قد صح عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ:(صيام ثلاثة أيام متتابعة)، وقراءة ابن مسعود حجة حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أحال عليها، فقال:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ»(١٣). يعني عبد الله بن مسعود، إذن أربعة محظورات فديتها فدية أذى.
إذا قال قائل: الحلق عرفنا دليله من القرآن، فما الدليل في التقليم؟ القياس. ما الدليل في تغطية الرأس؟ القياس. ما الدليل في الطيب؟
طلبة: القياس.
الشيخ: الفدية، هل في الطيب نص في الفدية؟
طلبة: لا.
الشيخ: إذن القياس. فصارت الثلاثة هذه كلها بالقياس، والمانعون للقياس يمنعون الفدية في هذه الثلاثة، القياس ممنوع خصوصًا وأن علة القياس هنا غير ظاهرة؛ لأن العلة التي يكون بها القياس هنا الترفه، وهذه علة سبق أن بحثنا فيها، وبينا أنها ليست في ذاك القوية.