للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن قلنا بأنه يُشْرَع لهما التكبير والتسليم فهما صلاة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة؛ أنهما أي: سجدتا الشكر والتلاوة صلاة، تُفْتَتَح بالتكبير، وتُخْتَتَم بالتسليم، ولهذا يُشْرَع عندهم أن يُكَبِّر إذا سجد، وإذا رفع، ويُسَلِّم، وبِناءً على هذا يحرُم على المحدِث أن يسجد سجدة التلاوة وهو غير طاهر، وأن يسجد سجدة الشكر وهو غير طاهر، عرفتم؟

إذن الخلاف في سجدتَي التلاوة والشكر مَبْنِيٌّ على أيش؟ على أنهما هل هما صلاة أو لا؟ فإن قلنا: إنهما صلاة، وجب لهما الطهارة، وإن قلنا: إنهما غير صلاة لم تجب لهما الطهارة.

والمتأمِّل للسنة يدرك أنهما ليسَا بصلاة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسجد للتلاوة، ولم يُنْقَل عنه أنه كان يُكبِّر إذا سجد ولا إذا رفع، ولا يسلِّم، إلا في حديث رواه أبو داود في التكبير للسجود دون الرفع منه، ودون التسليم.

ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام سجد في سورة النجم، وسجد معه المسلمون والمشركون، والمشرك لا يصح منه صلاة، وأقرَّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وهذا الأخير قد يعارِض فيه معارِض فيقول: إن سجود المشركين في ذلك الوقت قد يكون قبل فرض الوضوء؛ لأن فرض الوضوء لم يكن إلا مع فرض الصلاة، والصلاة ما فُرِضَت إلا متأخِّرة، قبل الهجرة إما بسنة أو بثلاث سنوات، فهي متأخِّرة، وما دام الاحتمال قائمًا فالاستدلال به فيه نظر.

لكن اللِّي يتأمل سجود الرسول عليه الصلاة والسلام للشكر، سجوده عند التلاوة، يظهر أنه لا يُكَبِّر، وعليه فلا تكون سجدة التلاوة وسجدة الشكر من الصلاة، وحينئذ لا يحرُم على مَن كان محدِثًا أن يسجد للتلاوة أو للشكر على غير طهارة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>