وصح ذلك عن عبد الله بن عمر أنه كان يسجد للتلاوة بدون وضوء، ولكن لا ريب أن الأفضل أن يتوضأ، لا سيما وأن القارئ سوف يتلو القرآن، وتلاوة القرآن يُشْرَع لها الوضوء؛ لأنها من ذكر الله، وكل ذكر الله يُشْرَع له الوضوء.
أما سجود الشكر فإن اشتراط الطهارة له ضعيف؛ لأن سجود الشكر سببه تجدد النعم، أو اندفاع النقم، يعني أو تجدد اندفاع النقم، وهذا قد يأتي الإنسانَ وهو محدِث.
فإذا قلنا: لا تسجد حتى توضأ، فربما يطول الفصل، والحكم المعلَّق بسبب إذا تأخَّر عن سببه سقط، وحينئذ إما أن نقول: اسجد على غير وضوء، أو لا تسجد؛ لأنه يندر أن يجد الإنسان ماءً يتوضأ منه تَوَضُّؤًا سريعًا ثم يسجد.
وأما سجدة التلاوة فالذي ينبغي ألَّا يسجد الإنسان إلا وهو على طهارة، كما أنه ينبغي له أن يقرأ على طهارة.
الأمر الثالث مما يحرُم على المحدِث: الطواف بالبيت، فالطواف بالبيت سواء كان طواف نُسُك؛ كالطواف في الحج والعمرة، أو طواف تطوُّع مطلَق، كما لو قام الإنسان في سائر الأيام فيطوف، فإنه يحرُم عليه أن يطوف إلا بوضوء.
الدليل عدة أمور؛ الأمر الأول: أنه ثَبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين أراد الطواف تَوَضَّأَ ثم طاف.
والثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن صفية قد حاضت، وظن أنها لم تَطُف طواف الإفاضة قال:«أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ »، والحائض طاهر ولَّا غير طاهر؟
طلبة: غير طاهر.
الشيخ: غير طاهر.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ، فَلَا تَتَكَلَّمُوا فِيهِ إِلَّا بِخَيْرِ».
وربما استدل بعضهم بقوله تعالى:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة: ١٢٥].
وجه الاستدلال: أنه إذا وجب تطهير مكان الطائف، فتطهيرُ بدنه من باب أولى.