للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسبب هذا الفعل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة قالت قريش: إنه يقدم عليكم قوم وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يثرب، وَهَنَتْهُم يعني: أَضْعَفَتْهُم، ويثرب هي المدينة، والحمى مرض معروف، وكانت الحمى في المدينة شديدة حتى دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن ينقل حُمَّاهَا إلى الْجُحْفَة، ففعل سبحانه وتعالى.

لكن قريش أعداء، والعدو يحب الشماتة بعدوه، فقالوا: اجلسوا ننظر هؤلاء الذين قدموا عليكم وقد أضعفتهم الحمى، وجلسوا نحو الْحِجْر، أي في الجهة الشمالية من الكعبة، لأجل أن يَطَّلِعُوا على ما زعموه من ضعف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لذلك أن يرملوا في الأشواط الثلاثة.

والرمل ليس هزيز الكتفين كما يفعله بعض الْجُهَّال، الرمَل المشي بقوة ونشاط، بحيث يسرع، لكن لا يمد خطوه، والغالب أن الإنسان اللي يسرع يمد خطوه لأجل أن يتقدم بعيدًا، لكن في الطواف لا نقول: أسرِع بدون أن تمد الخطو بل تقارب الخطى.

فلما رأت قريشٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرملون هذا الرمَل قالوا: إنهم أشد جريًا ومشيًا من الغزلان، يعني الظباء، فغاظهم ذلك وحزنوا، حيث كانوا يتوقَّعُون في الأول أنهم ضعفاء، فتبين أنهم أقوياء (١).

ولكن كان الرمَل في عمرة القضاء من الْحِجْر إلى الركن اليماني، ثم يمشون ما بين الركنين؛ لأنهم إذا انحرفوا من عند الركن اليماني غابوا عن أنظار قريش، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبْقِي على قوتهم، وأن يمشوا مشيًا فيما بين الركنين، فلطف بهم النبي عليه الصلاة والسلام من وجهين؛ الوجه الأول: أنه خص الرمَل بالأشواط الثلاثة الأولى فقط، والثاني: أمرهم أن يمشوا ما بين الركنين؛ الركن اليماني والحجر الأسود.

<<  <  ج: ص:  >  >>