للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا أصل مشروعية الرمَل، هذا هو أصله، ولكن هل يقال: إنه بعد فتح مكة وعز الإسلام يرتفع هذا الحكم لارتفاع سببه، أو نقول: إن هذا الحكم باقٍ؟

فالجواب: الثاني، فإن عمر رضي الله عنه أَوْرَدَ على نفسه هذا الإيراد، وقال: فيمَ الرمَل الآن وقد أَعَزَّنَا الله؟ ثم أجاب على نفسه: شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن نفعله (٢).

مع أنَّا نقول في حجة الوداع: قد زال السبب، وهو إغاظة المشركين؛ لأنه ليس هناك مشرك حتى يُغَاظَ، ومع هذا أبقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إنه أبقاه بزيادة على الرمَل في عمرة القضاء، حيث كان الرمَل في حجة الوداع من الركن إلى الركن، أي في كل الأشواط الثلاثة، حتى ما بين الركنين رمَل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عمرة القضاء من الركن إلى الركن اليماني فقط، فدل ذلك على بقاء المشروعية.

فإن قال قائل: كيف تبقى المشروعية وقد زال السبب؟ والحكمة تقتضي أنه بزوال السبب يزول المسبَّب، أي بزوال العلة يزول المعلول؟

فالجواب: أن العلة وإن كانت إغاظة المشركين، ولا مشركين الآن، لكن ليتذكر الإنسان أن المسلم يُطْلَب منه أن يغيظ المشركين، فحينئذ ينبغي لك أن تشعر عند الرمَل في الطواف وكأن أمامك المشركين لأجل أن تغيظهم؛ لأن غيظ المشركين مما يقرِّب إلى الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>