للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (أَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الحِجْرِ)، الْحِجْر معروف؛ هذا البناء المقوَّس من شمالي الكعبة، ويسمى عند العامة حِجْر إسماعيل، وسبحان الله أن يكون حجر إسماعيل وإسماعيل لم يعلم به! وقد بُنِيَ بعده بأزمان كثيرة؛ لأن سبب بنائه كما ثبت في الصحيح أن قريشًا لما بنت الكعبة قصَّرت بهم النفقة، وقد أجمعوا على أن يكون البناء من كسب طيِّب، فقصَّرت بهم النفقة، فقالوا: لا بد أن نبني البعض وندع البعض، فأي شيء يَدَعُونه؟ رأوا أن أنسب شيء يَدَعُونه أن يكون من الناحية الشمالية، ففعلوا، وجعلوا هذا الجدار، وسُمِّيَ الْحِجْر لأنه مُحَجَّر.

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: «لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَبَنَيْتُ الْكَعْبَةَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ؛ بابًا يَخْرُجُ مِنْهُ النَّاسُ، وَبَابًا يَدْخُلُونَ مِنْهُ» (١٥)، ولكن ترك ذلك خَوْفًا من الفتنة، إلَّا أن الله سبحانه وتعالى حقَّق ما أراد الرسول عليه الصلاة والسلام بدون مَضَرَّة، لو أنها بُنِيَت على قواعد إبراهيم، وجُعِلَ لها بابٌ يدخل منه الناس، وبابٌ يخرج منه، لهلك الناس، ولا سيما في الأزمنة الأخيرة، حيث يتقاتلون على ما هو دون الكعبة بكثير، ما ظنكم لو دخل الناس من هذا الباب، والكعبة مسقوفة وضَيِّقَة، ماذا يكون؟ الناس يُهْلِك بعضهم بعضًا، لكن حصل مراد الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الْحِجْر، فجُعِلَ للحِجْر، وهو من الكعبة، جُعِلَ له بابان؛ باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه، مع كونه مكشوفًا فضاء لا يضر، وهذا من حكمة الله عز وجل ورحمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>