وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام في صفية:«أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ » فإننا معكم في هذا، وهو أنه يحرُم على الحائض الطواف؛ لأن لكم دليلين صريحين واضحين؛ حديث صفية هذا، وحديث عائشة، قال:«افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَلَّا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»، فنحن معكم في أن الحائض يحرُم عليها الطواف، ولكن الحيض ليس حدَثًا أصغر، بل هو حدَث أكبر، ثم إن الحيض سبب موجِب لمنع الحائض من الْمُكْث في المسجد، والطواف لا شك أنه مُكْث؛ لأن الإنسان سيطوف على الكعبة، فنحن معكم في أن الحائض لا تطوف.
لكن من أين نستدل بهذا على أنه لا يجوز للطائف أن يطوف وهو محدِث حدَثًا أصغر؟ وأنتم توافقوننا على أن المحدِث حدَثًا أصغر يجوز له أن يبقى في المسجد بغير وضوء، ولا يجوز للحائض أن تبقى في المسجد بغير وضوء، فهذا هو مناط حكم المنع عندنا؛ أنه المكث في المسجد.
وأما الحديث الذي يستدلون به:«الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ»، فإن هذا لا يصح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما قاله أهل المعرفة بالحديث، وإنما هو موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما، فهو مما فيه مجال للاجتهاد، وما فيه مجال للاجتهاد فإنه يُرْجَع فيه إلى الكتاب والسنة.
ثم إن هذا الحديث منتقِض؛ لأننا إذا أخذنا بلفظه:«الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ»، فإنه على مقتضى القواعد الأصولية يقتضي أن جميع أحكام الصلاة تثبت للطواف إلَّا .. ؟
طلبة: الكلام.
الشيخ: إلا الكلام، تحريم الكلام في الصلاة ثابت، وهنا ليس بثابت، والدليل على أن جميع أحكام الصلاة تثبت له إلا الكلام أن من القواعد المقرَّرة في علم الأصول: أن الاستثناء معيار العموم، يعني: إذا جاء شيء عام ثم استُثْنِيَ منه، معناه أنه كل الأفراد يتضمنها هذا العموم، فالاستثناء معيار العموم.