وأصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل، فإنها رضي الله عنها خلَّفها إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي وابنها في هذا المكان، وجعل عندهما سقاءً من ماء، وجرابًا من تمر، فجعلت الأم تأكل من التمر، وتشرب من الماء، وتسقي اللبن لولدها، فنفد الماء، ونفد التمر، فجاعت وعطشت، ويبس ثديها؛ فجاع الصبي، وجعل يتلوَّى من الجوع، فأدركتها الشفقة، فرأت أقرب جبل إليها الصفا، فذهبت إلى الصفا، وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحدًا، ولكنها لم تسمع، فنزلت إلى الاتجاه الثاني، إلى جبل المروة، ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها، فجعلت تسعى سعيًا شديدًا حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها، وبقيت تتسمع –تتحسس- على المروة، ولم تسمع شيئًا، حتى أتمت هذا سبع مرات، ثم أحست بصوت لكن لا تدري من، فإذا هو جبريل نزل بأمر الله عز وجل، فضرب بجناحه أو برجله الأرض مكان زمزم الآن، فنبع الماء في الحال؛ ففرحت بذلك فرحًا شديدًا، وجعلت تحوش الماء -تُحجِّره- خافت أن يتسرب وينفد، قال النبي عليه الصلاة والسلام:«يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ لَكَانَ عَيْنًا مَعِينًا»، ولكن مِن رحمة الله عز وجل أنها حجرته، لو كان عينًا معينًا لصار فيه ضيق على الناس؛ لأن هذا المكان صار مسجدًا، فلو كان عينًا معينًا يجري لكان في ذلك مشقة، ولكن من رحمة الله أنها حجَّرته حتى صار كالبئر.
المهم أنها شرِبت من هذا الماء، وصار هذا الماء شرابًا طعامًا، ودرَّت على الولد، وهيَّأ الله لها قومًا من جرهم مروا بمكة، فتعجبوا أن تكون الطيور تأوي إلى هذا المكان، وقالوا: لا يمكن أن تأوي الطيور إلى هذا المكان إلا وفيه ماء، وكانوا لا يعهدون ماءً في هذا المكان، فجاؤوا نحو هذه الجهة فوجدوا إسماعيل وأمه، فنزلوا عندهم، والقصة مطولة في صحيح البخاري (٩).