للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنبي عليه الصلاة والسلام قال في هذا الموقف العظيم والمجمع الكبير: «أَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ مِنْ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، وقال في موضع آخر: «وَايْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (٢٧)، أقسم -وهو الصادق البار بلا قسم- أنه لو سرقت فاطمة بنت محمد -سيدة نساء أهل الجنة، وأشرف النساء نسبًا ما هي المخزومية فقط- لو أنها سرقت: «لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

وهنا قال: «لَقَطَعْتُ» يحتمل: لقطعت يدها مباشرةً، أو أمرت بقطع يدها.

وأيهما أبلغ؟

طلبة: الأول.

الشيخ: الأول: يقطع يد ابنته إذا سرقت.

فالحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يضع للحكام منهجًا لو ساروا عليه لأفلحوا؛ أن يكون أقاربهم وحاشيتهم عندهم كسائر الناس.

خطب الناس هذه الخطبة، ثم أمر بلالًا فأذَّن، وأقام وصلى الظهر، ثم أقام وصلى العصر، ولم يُسبِّح بينهما شيئًا (٥).

وفي تقديمه الخطبة على الأذان، والجمع بين الظهر والعصر دليل على أنه لم يقصد بذلك صلاة الجمعة، صح؟

طالب: نعم.

الشيخ: لأن صلاة الجمعة تكون الخطبة فيها بعد الأذان، وهنا الخطبة قبل الأذان، وإلا فإن اليوم كان هو يوم الجمعة في حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم خطب الناس، وصلى الظهر والعصر، وركب حتى أتى آخِر عرفة من الناحية الشرقية، فوقف هناك.

وكان من عادته أنه يكون في أُخريات قومه، لا يكون في المتقدمين؛ لأجل يتفقد من كان محتاجًا، لو كان موقفه في أدنى عرفة مما يلي مكة لكان يدْفع قبل الناس، لكن تأخَّر في آخر عرفة من الناحية الشرقية لهذا الغرض، والله أعلم.

وقف هناك وقال: «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» (٢٨)، فكأنه عليه الصلاة والسلام يشير إلى الأمة: ألا تكلف نفسها هذا الموقف الذي وقفه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كل إنسان يكون في مكانه؛ لئلا يحصل الزحام والأذى، يؤذي الناس بعضهم بعضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>