إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس ركب من نمرة إلى عرفة، ورسول الله عليه الصلاة والسلام ركب من نمرة حتى أتى بطن الوادي -بطن عرنة- فنزل في بطن الوادي.
والظاهر منه -والله أعلم- أن نزوله في بطن الوادي؛ لأن بطن الوادي في الغالب يكون رمليًّا، فيكون فيه لين وسهولة على الناس للجلوس وللصلاة.
نزل -عليه الصلاة والسلام- في بطن الوادي، ثم خطب الناس خُطبةً بليغةً قرر فيها قواعد الإسلام وشيئًا كثيرًا من أحكامه (٥).
وأعلن في تلك الخطبة أن ربا الجاهلية موضوع، وأن أول ربا يضعه ربا العباس بن عبد المطلب؛ لأنه عمه.
وفي هذا دليل على أن الربا الثابت في ذِمم الناس يجب وضعه، ولا يجوز أخذه، حتى وإن عُقد قبل الإسلام فإنه يجب وضعه، ولا يجوز أخذُه، أما ما قُبض من قبل من الرِّبا، وأتى الإنسان موعظةٌ من الله فإنه له، لكن ما بقي في ذمم الناس فإنه لا تتم التوبة منه إلا إذا تركه ولم يقبضه.
وتأمل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف العظيم، قال:«أَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ»(٥)؛ لأنه قريبه، والحاكم لا يُحابي أقاربه في حُكم الله، بل يبدأ بهم قبل الناس، حتى يُعلم أنه ليس عنده محاباة في دِين الله.
كان عمر رضي الله عنه إذا منع الناس من شيء جمع أهله وأقاربه، وقال لهم: إن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وإني أمرت بكذا أو نهيت عن كذا، فلا أجد أحدًا منكم خالف إلا ضاعفت عليه العقوبة (٢٦) رضي الله عنه.