الجواب على هذا أن يقال: إنما جَمَعَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في عرفة بين الظهر والعصر (٣) لاجتماع الناس؛ لأنهم لو تفرَّقوا بعد صلاة الظهر ما اجتمعوا هذا الجمع الكبير، والجمعُ لأجْل تحصيلِ الجماعةِ مشروعٌ كما يُشرع في أيام المطر؛ يُشرع في أيام المطر المؤذي الجمعُ بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من أجْل تحصيل الجماعة، وإلَّا فبالإمكان أنْ يُصَلِّي الظهر ويُقال للناس صلُّوا العصر في رِحالكم، أو يصلِّي المغرب ويُقال للناس صلُّوا العِشاء في رِحالكم، لكن اجتماع الناس على العبادة له شأنٌ كبيرٌ ومراعاةٌ في الشريعة الإسلامية.
هنا يقول:(يُسَنُّ أنْ يجمعَ بين الظهر والعصر، وأنْ يقِفَ راكبًا مستقبِلَ القِبْلةِ عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة).
(أنْ يقِفَ راكبًا)؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وَقَفَ على بعيرِهِ راكبًا رافعًا يديه يدعو اللهَ عز وجل، ولَمَّا انفلتَ الزِّمام أخذه بإحدى يديه وهو رافعٌ الأُخرى، وَقَفَ راكبًا (٤) وعلى هذا فيُسَنُّ أنْ يقِفَ الإنسانُ راكبًا.
كيف يقِفُ راكبًا؟
المراد بالوقوف هنا الْمُكْثُ، لا الوقوفُ على القدمين؛ فالقاعد يُعتبر واقفًا، ومعلومٌ أنَّ الراكب على البعيرِ جالسٌ عليها، ليس واقفًا عليها، بلْ هو جالسٌ.
وهذه المسألة مختلَفٌ فيها هل الأفضل أنْ يقِفَ راكبًا أو أنْ يقِفَ غيرَ راكبٍ؛ منهم مَنْ يقول: الأفضل أنْ يقِفَ راكبًا؛ لأن ذلك فِعْلُ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبناءً على هذا يُسَنُّ لنا أنْ نقِفَ من بعد صلاة الظهر والعصر جمْع تقديمٍ إلى الغروب في السيَّارات؛ نركبُ في السيارات ونبقى فيها إلى الانصراف؛ لأن هذا هو الركوبُ، كلُّ شيءٍ بحسبه.