ولو قال قائلٌ: الأفضلُ راكبًا، إلَّا إذا كان وُقوفه على الأرض أخشعَ له وأَحْضرَ لقَلْبه فإنه يكون على الأرض، وهذا لا يُنافي القواعد الشرعية؛ لأن من القواعد ما قرَّرْناه ونُقَرِّره أنَّ الكمالَ الذاتيَّ للعبادة أَوْلى بالمراعاة من الكمال في المكان، وعليه فنقول: إنْ كان الأخشع لك والأحضر لقَلْبك أنْ تقِفَ في السيارة فافعلْ، وإلَّا ففي الأرض.
(ويقِف عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة)، وهي صخراتٌ معروفةٌ لا تزالُ إلى الآن موجودة، لكن الآن كانتْ مزارات للناس في غير موسم الحج، للبسطاء من الناس يذهب يزورها وحولها إبل مشدودة، يأتي الإنسان ويركب على البعير المشدودة عند الصخرات ثم تُلتقط له صورة فيذهب بها إلى بلده ويقول هذه صورتي عند جبل عرفات كل هذا من أجْل الدنيا من أجْل أن يحشو دراهم مِن ها البسطاء.
يقول:(يقِف راكبًا عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة).
(جبل الرحمة)، ويُقال له: جبل الدعاء، والمناسبةُ ظاهرةٌ أنَّ هذا المكان -أعني عرفة كلَّها- موطنُ رحمةٍ وموطنُ دعاء، ولكنه ليس معروفًا بهذا الاسم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن العلماء -رحمهم الله- جعلوا له لهذه المناسبةِ هذا الاسم: جبل الرحمة، أو: جبل الدعاء.
وقول المؤلف:(يقِف راكبًا عند الصخراتِ وجبلِ الرحمة) لم يُبَيِّن أين يكون اتجاهُهُ، ولكن نقول: يكون اتجاهُهُ إلى القِبْلة؛ لأن كلَّ العبادات الأفضلُ أنْ تستقبِلَ بها القِبلة، إلَّا ما قام الدليلُ على خِلافه؛ كما قال ابن مفلحٍ -رحمه لله- في الفروع لَمَّا ذكر بعضُ العلماء أنَّه يُشرع أنْ يستقبِلَ القِبلة حالَ الوضوءِ، قال: وهو متوجِّهٌ في كلِّ طاعةٍ إلَّا بدليل.