الشيخ: ما فيه، فأقول مرة ثانية: إيجاب ما لم يجب أشد من إسقاط ما وجب؛ يعني: إذا لم يكن هناك نص يدل على الوجوب بحيث يواجه الإنسان به ربه فإن إسقاط ما وجب -أي: ما يمكن أن يكون واجبًا- أهون.
وكذلك نقول في التحريم والتحليل: تحريم ما كان مباحًا أشد من إباحة ما عسى أن يكون حرامًا.
نقول: ما هو الدليل على وجوب الدم لمن ترك واجبًا؟
نقول: الدليل على هذا قول صحابيٍ جليل وهو ابن عباس رضي الله عنهما؛ حيث قال: من ترك شيئًا من نسكه أو نسيه فليهرق دمًا (١)، ومبنى هذا الاستدلال على أن مثل هذا القول لا يقال بالرأي، فيكون له حكم المرفوع؛ لأن الصحابي إذا قال قولًا أو فعل فعلًا لا يقال بالرأي ولا يفعل بالرأي حُمِلَ على أنه مرفوع حكمًا.
ولا يَرِدُ على هذا القول الشبهة التي أثيرت حول ما يخبر به عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن بني إسرائيل، وأنه ممن عرف في التساهل بالنقل عنهم، مع أن الأمر ليس بصحيح، بل هو يشدد في النقل عنهم، كما مر علينا في البخاري في عدة مواضع.
لماذا لا يَرِد؟ لأن هذا حكم وليس خبرًا، فعليه نقول: هذا الحكم صدر من عبد الله بن عباس وأيش؟
طلبة: له حكم الرفع.
الشيخ: وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يُقَال بالرأي.
ثانيًا: على فرض أن مثله يقال بالرأي، وأن ابن عباس رضي الله عنهما اجتهد، فأداه اجتهاده إلى وجوب الدم، فإنه قول صحابي لم يظهر له مخالف، فكان أولى بالقبول من قول غيره، وهذا الاحتمال على تقدير أنه لم يثبت له حكم الرفع وأنه قاله بالاجتهاد.
كيف يكون بالاجتهاد؟ لأنه رضي الله عنه قال: إن ترك ما يجب كفعل ما يحرم؛ كلاهما انتهاك لنسك، وفعل ما يحرم ثبت بالنص القرآني أن فيه نسكًا، قال الله تعالى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة: ١٩٦].