الثالث: قال: (أو استنفره الإمام)، (استنفره) أي: قال: انفروا، والإمام هو ولي الأمر الأعلى في الدولة، ولا يشترط أن يكون إمامًا عامًّا للمسلمين؛ لأن الإمامة العامة انقرضت منذ أزمان متطاولة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:«اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ»(٦)، فإذا تأمر إنسان على جهة ما صار بمنزلة الإمام العام، وصار قوله نافذًا، وأمره مطاعًا، وأنتم تعلمون أنه من عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه والأمة الإسلامية بدأت تتفرق، فابن الزبير في الحجاز، وبنو مروان في الشام، والمختار بن عبيد وغيرهم في العراق، تفرقت الأمة، وما زال أئمة الإسلام يدينون بالولاء والطاعة لمن تأمر على ناحيتهم وإن لم تكن له الخلافة العامة.
وبهذا نعرف ضلال ناشئة نشأت تقول: إنه لا إمام للمسلمين اليوم، فلا بيعة لأحد -نسأل الله العافية- وهؤلاء لا أدري هل يريدون أن تكون الأمور فوضى، ليس للناس قائد يقودهم؟ هل يريدون أن يقال: كل إنسان أمير نفسه؟ هؤلاء إذا ماتوا من غير بيعة فإنهم يموتون ميتة جاهلية والعياذ بالله؛ لأن عمل المسلمين منذ أزمنة متطاولة على أن من استولى على ناحية من النواحي وصار له الكلمة العليا فيها، فهو إمام، إمام فيها، وقد نص على ذلك العلماء مثل صاحب سبل السلام وقال: إن هذا لا يمكن الآن تحقيقه، وهذا هو الواقع، الآن في البلاد التي في ناحية واحدة تجدهم يجعلون انتخابات، ويحصل صراع على السلطة، ويحصل رشاوى، وبيع ذمم إلى غير ذلك، فإذا كان البلد الواحد يعني لا يستطيعون أن يولوا عليهم واحدًا إلا بمثل هذه الانتخابات المزيفة فكيف بالمسلمين عمومًا؟ هذا لا يمكن.