وذهب بعض العلماء: إلى أنه يُعْقَد لكل كافر، وهذا هو الصحيح، ويدل عليه ما رواه مسلم من حديث بُرَيْدَة بن الحُصَيْب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله، وبمن معه من المجاهدين خيرًا أو من المسلمين خيرًا، وذكر فيه:«فَإِنْ أَبَوُا الْإِسْلَامَ فَخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ»(١٢)، فدل ذلك على أن الجزية تؤخذ من كل كافر، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأنه إذا جاز أخذها من أهل الكتاب والمجوس، فغيرهم مثلهم؛ إذ إن المقصود إقرار الكافر على دينه على وجه معين أو مخصوص، وهو حاصل في كل كافر، وعلى هذا فلو أن أحدًا من المشركين طلب الجزية ويُقَرُّ على دينه، ورأينا المصلحة في ذلك فإننا نفعل.
ما دليل من خَصَّها بهؤلاء؟ يقولون: لأن هؤلاء هم الذين نَصَّ عليهم الكتاب والسُّنَّة، ومَنْ عداهم فالأصل وجوب مقاتلته حتى يُسْلِم «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ»(١٠)، فقالوا: ما دام هذا هو الأصل فإننا نسنثني مَنْ استثناهم القرآن والسُّنَّة والباقي على الأصل.
ولكن يقال: نعم، لو لم يرد حديث بُرَيْدَة بن الحُصَيْب لكان الأمر كما قالوا، أي أنه لا يُعْقَد إلَّا لهذه الأصناف الثلاثة.
(وَلَا يَعْقِدُهَا إِلَّا إِمَامٌ أوْ نَائِبُهُ)، (لَا يَعْقِدُهَا) أي: الذمة بين المسلمين والكفار (إِلَّا إِمَامٌ أوْ نَائِبُهُ)، إذا قال العلماء: الإمام، فيعنون به صاحب السلطة العليا في الدولة، (أوْ نَائِبُهُ) من الوزراء أو الأمراء أو مَنْ يوليهم الإمام مثل هذا العقد.