للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تهنئتهم بأمور دنيوية كما لو وُلِدَ له مولود فهنَّأناه، أو وُجِدَ له مفقود فهنَّأناه، أو بنى بيتًا فهنَّأناه، أو ما أشبه ذلك فهذه يُنظر إذا كان في هذا مصلحة فلا بأس بذلك، وإن لم يكن فيه مصلحة فإنه نَوْعُ إكرام فلا يهنَّؤون، ومن المصلحة أن يكون ذلك على وجه المكافأة، مثل أن يكون من عادتهم أن يُهَنِّئونا بمثل ذلك فإننا نهنِّئُهم.

أما تعزيتهم فلا تجوز، فلا يجوز أن يُعَزَّوْا؛ لأن التعزية تسلية للمصاب، وجبر لمصيبته، ونحن لا نود أن يَسلَمُوا من المصائب، بل نقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: ٥٢]، وهذا لا شك في أهل الحرب، لكن في أهل الذمة، فقال بعض أهل العلم: تعزيتهم تجوز للمصلحة -مصلحة التأليف- أو للمكافأة، إذا فعلوا بنا ذلك فإننا نفعله بهم، أما عيادتهم فالصحيح جواز ذلك، لكن للمصلحة أيضًا بأن يُرْجَى إسلامه بعَرْض الإسلام عليه، كما زار النبي صلى الله عليه وسلم خادمًا له يهوديًّا فعَرَضَ عليه الإسلام، فَرَدَّ بصره إلى أبيه كأنه يشاوره، فقال له أبوه: أَطِعْ محمدًا، فأَسْلَم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارَ» (١٣)، فإذا كان في عيادتهم مصلحة كالدعوة للإسلام فلا بأس، بل قد تكون مندوبة مستحبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (١٤).

ثم قال المؤلف: (وَيُمْنَعُونَ مِن إِحْدَاثِ كنَائِسَ) (يُمْنَعُونَ) الضمير يعود على مَنْ؟ على أهل الذمة الذين عندنا في بلادنا، (يُمْنَعُونَ مِن إِحْدَاثِ كنَائِسَ وَبِيَعٍ، وَبِنَاءِ مَا انْهَدَمَ مِنْهَا وَلَوْ ظُلْمًا) إلى آخره، هذه الأمور الممنوعة التي يُمنعون منها:

<<  <  ج: ص:  >  >>