ثم قال المؤلف:(والرُّشد الصلاح في المال) لا في الدِّين، الدِّين ما هو شرط، لا يُشترط صلاح الدين في هذا الباب؛ لأن الكلام في هذا الباب عن التصرف في المال، الرُّشد هو الصلاح في المال، لو كان في دينه غير صالح، وفي ماله صالح؟
طالب: يُدفَع له المال.
الشيخ: فهو رشيد يُدفع إليه المال، لو كان هذا الرجل بلغ؛ تم له خمس عشرة سنة، لكنه حالق للحيته، مُسْبِل لثوبه، عاقٌّ لأمه، قاطع لرحمه، مغتاب لعباد الله، نَمّام بينهم، شارب للخمر، سارق للأموال، كل شيء فيه من العيوب، هل يزول عنه الْحَجْر ولَّا لا؟ إي نعم.
إذن الرُّشد في كل موضع بحسبه، فقوله تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات: ٧] هذا الراشدون في ماذا؟
طلبة: في الدِّين.
الشيخ: في الدين، وسبق لنا أن الولي للنكاح يُشْتَرَط أن يكون رشيدًا، لماذا؟ رشيدًا في معرفة الكفء ومصالح النكاح وإن كان سفيهًا في ماله، هنا رشيد في المال، فالرُّشد في كل موضع بحسبه.
قال المؤلف في تفصيل رشد مع صلاح المال، قال:(بأن يتصرف مرارًا فلا يُغبَن غالبًا)، هذا الرُّشد (يتصرف مرارًا).
كلمة (مرارًا) تصلح بثلاث فأكثر؛ لأن (مرار) جمع فلا تفيد مرتين، مرارًا، هذا الرجل تصرف ثلاث مرات، أو أربع، أو خمس، ووجدنا أنه لا يُغبَن، غالب تصرفاته تصرفات سليمة ما فيها غَبْن، لا في البيع ولا في الشراء، نقول: هذا رشيد.
فإن تصرف مرة واحدة ولم يُغبن فليس دليلًا على رشده؛ لأن هذه قد تكون مصادفة، مرتين؟ فليس دليل على الرُّشد، ثلاث مرات؟ فهو دليل على الرُّشد.
رجل، أو صغير، أو بالغ، لكن ما بنعطيه المال، الآن تصرف عشر مرات، لكنه يبيع ما يساوى مئة بخمسين، ويشتري ما يساوي خمسين بمئة.