ومعلوم أن من فرط في حفظ ماله فلا يلومن إلا نفسه، لكن قد يُقال: إن الرجل صاحب البهيمة إذا اهتبل غفلة أصحاب الحوائط فأرسلها في هذه الحال فعليه الضمان؛ لأن أهل الحوائط -كما نعلم- جميعًا ليسوا دائمًا يحرسونها، سيذهبون إلى غداء أو إلى صلاة، أو إلى استراحة ليسوا دائمًا واقفين على الحدود.
فلهذا لو قال قائل بتفصيل أخص من كلام المؤلف؛ وهو أنه إذا اهتبل -يعني تحرَّى- صاحب البهيمة غفلة أصحاب الحوائط فأرسلها فعليه الضمان، أما إذا أرسلها بدون قصْد فلا ضمان عليه؛ لأنه في هذه الحالة غير معتدٍ.
لو قيل بهذا لكان له وجه، فإن لم نقل به فالأصح المذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على أن على أهل الحوائط حفظها في النهار، فيقول: أنا سأرسلها ترعى، ولا وجهتها إلى حائطك، أطلقتها، ولكن هي اتجهت إليه؛ لأنها رأت هذه الخضرة وهذا العلف فاتجهت إليه.
ثم قال المؤلف رحمه الله:(إلا أن تُرسل بقرْب ما تتلفه عادة) في الحال التي لا يضمن فيها صاحبها، هل هناك دليل على عدم الضمان؟
الجواب: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ»(٥). يعني: هدر، والعجماء هي البهيمة، فما أتلفت فهو هدر.
ثم قال:(وإن كانت بيد راكبٍ أو قائد أو سائق ضمن جنايتها بمقدمها لا بمؤخرها، وباقي جنايتها هدر) إلى آخره.
(إن كانت) يعني البهيمة (بيد راكب أو قائد أو سائق)، القائد من الأمام، والسائق من الخلف، والراكب من فوق، إذا كانت البهيمة بيد متصرف فيها؛ إما لكونه راكبًا أو قائدًا أو سائقًا فإنه يضمن جنايتها، لكن بمقدمها لا بمؤخرها، مثال الجناية بالمقدَّم: أن تأكل شيئًا، فهذا رجل راكب على بعير، فمرت البعير بطعام، فأكلت منه وهو راكب فعليه الضمان؛ لأنه متصرف فيها؛ إذ كان يمكنه لما أقبلت على الطعام لتأكل أن يصرفها عنه.