فنقول: إن هذا دليل على ما هو أعظم من ذلك؛ وهو طهارة الدَّم إلا بدليل.
المهم أن المؤلف لم يذكر مما يعفى عن يسيره إلا شيئين؛ وهما الدم النجس من حيوان طاهر، والثاني: أثر الاستجمار بمحله، أقول: ذكر بعض العلماء العفو عن يسير كل نجس يشق التَّحرُّز منه، وهذا مذهب أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن ذلك: يسير سَلَس البول لمن ابتُلي به، نسأل الله لنا ولكم السلامة؛ لأنه يشق التحرز منه، فيعفى عن يسيره إذا كان الانسان متحفظًّا تحفظًا كثيرًا بقدر استطاعته، فاليسير منه لا يضر.
قال:(ولا يَنجُسُ الآدمِيُّ بالمَوْتِ) الآدمي لا ينجس بالموت، وقوله:(الآدمِيُّ) أي: مَنْ كان من بني آدم؛ من مؤمن وكافر، وذكر وأنثى، وصغير وكبير، لا يَنْجُسُ بالموت.
الدليل: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ»، هذا واحد.
دليل آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وَقَصَتْه ناقته يوم عرفة قال: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»(٦).
وقال في اللاتي يغسلن ابنته:«اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ»(٧).
وهذا يدلُّ على أن بَدَنَ الميت ليس بِنَجِس؛ لأنَّه لو كان نجسًا لم يُفِد الغسل به شيئًا، لو أنك غسلت الكلب آلاف المرات ما صار طاهرًا، ولولا أن الغسل يؤثِّر فيه الطَّهارة لكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم به عبثًا لا فائدة منه، وعلى هذا فيكون الآدمي لا ينجس بالموت.
فإن قلت: هذا ظاهر في المؤمن أنَّه لا يَنْجُس، لكن بالنسبة للمشرك الكافر كيف تقول: لا يَنْجُس، والحديث:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ»، وقال الله عز وجل في القرآن:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة: ٢٨]؟