فقوله:«إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» يدلُّ على أن الاستجمار مطهِّر، على أن ما عداهما مما يباح به الاستجمار يُطهِّر، وهذا هو الصحيح.
وبناءً على هذا القول الرَّاجح، لو تعدَّى إلى غير محله؛ فعَرِقَ الإنسان على سراويله أو خرج منه مَنِيٌّ فإنه لا يكون نجسًا؛ لأنَّ الاستجمار مطهِّر، لكنَّه عُفي عن استعمال الماء للمشقة والتيسير على الأمة.
هذان اثنان مما يُعْفَى عنه؛ يسير الدَّم النَّجس من حيوان طاهر، والثاني: أثر الاستجمار بمحلِّه.
وظاهر كلامه: أنه لا يُعفَى عن يسير شيء مما سواهما، فالقَيء مثلًا لا يُعْفَى عن يسيره، والبول لا يعفى عن يسيره، والرَّوث لا يعفى عن يسيره، وهكذا كل النجاسات لا يعفى عن يسيرها.
ولكن العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال، بل على أكثر من ثلاثة؛ لأن بعضهم لا يرى العفو عن اليسير مطلقًا ويقول: النجس نجس يسيره وكثيره ولا يعفى عنه.
وبعضهم على العكس يقول: يعفى عن يسير سائر النجاسات، وهذا مذهب أبي حنيفة، واختيار شيخ الإِسلام ابن تيميَّة رحمه الله، ولا سيما ما يُبتلَى النَّاس به كثيرًا، كبعر الفأر وروثه، وما أشبه ذلك مما يبتلى به الناس، فإن المشقَّة في مراعاته والتطهُّر منه حاصلة، والله عز وجل يقول:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]، وكذلك أصحاب الحيوانات التي يمارسونها كثيرًا، كأهل الحمير مثلًا هؤلاء يشقُّ عليهم أن يتحرزوا من كُلِّ شيء.
فالصَّحيح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأبو حنيفة في أن الشيء اليسير يعفى عنه؛ لأنَّنا إذا حكمنا بأن هذه نجسة؛ فإمَّا أن نقول بأنَّه لا يُعفَى عن يسيرها، كما قاله بعض العلماء، كالبول والغائط، وإما أن نقول بالعَفْو عن يسير جميع النَّجاسات، ومن فرَّق فعليه الدَّليل.
قد يقول قائل: إن الدَّليل على ذلك أن الصَّحابة رضي الله عنهم كانوا يُصلُّون في ثيابهم وهي ملوَّثة بالدَّم من جراحاتهم.