قال:(وعَنْ أَثَرِ استجمارٍ بِمَحَلِّه) يعني: ويُعفى عن أثر استجمار بمحلِّه، والمراد بالاستجمار هنا الاستجمار الشَّرعي الذي تَمَّت فيه الشروط، وقد سبق ذلك في باب الاستنجاء.
فإذا استجمر الإنسان استجمارًا شرعيًّا بثلاثة أحجار منقية فأكثر في غير محترم أو نجس وتَمَّت الشروط، فإن الأثر الباقي بعد هذا الاستجمار يُعْفَى عنه، وهل يبقى أثر؟ نعم؛ لأن المحل لا يتطهر بالكلية إلا بالماء، فالأحجار والمناديل وشبهها ما تطهر المحل تمام التطهير كما يطهره الماء، وهذا ظاهر.
هذا الأثر الذي يبقى بعد الاستجمار الشرعي يقول المؤلف: إنه يعفى عنه، ولكن يعفى عنه في محله، فنقول للمستجمِر: صلِّ ولا عليك، صلاتك صحيحة، فإذا قال: أنا لم أُزِل النجاسة، قلنا: إنه يعفى عن هذا في محله، ما هو الدليل أنه يعفى عنه؟
الدَّليل لذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاقتصار على الاستجمار في التَّنَزُّه من البول والغائط (٤)، كما مر علينا في الاستنجاء.
وعلى هذا، فإذا صلَّى الإنسان وهو مستجمِر لكنه قد توضَّأ فصلاته صحيحة، ولا يُقال: إن فيه أثر نجاسة؛ لأن هذا الأثر أيش؟
طلبة: معفوٌّ عنه.
الشيخ: معفوٌّ عنه.
ولو صلَّى حاملًا مستجمِرًا استجمارًا شرعيًّا لعُفِيَ عنه أيضًا؛ لأن هذه النجاسة معفو عنها في محلها.
وعُلِم من قول المؤلف:(في محلِّه) أنه لو تجاوز محلَّه لم يُعْفَ عنه، كيف يتجاوز؟ لو أن إنسانًا عَرِقَ، ثم سال العَرَق وتجاوز المحلَّ؛ صار على سراويله أو على ثوبه، أو سال على صفحتي الدُّبر، فإِنه لا يُعْفَى عنه حينئذ، لماذا؟ لأنه تعدَّى محلَّه.
وعُلِمَ من كلامه رحمه الله: أنَّ الاستجمار لا يُطَهِّر وأنه نجس، لكن يُعْفَى عن أثره في محلِّه.
ولكن الصَّحيح في هذه المسالة: أن الاستجمار إذا تَمَّتْ شروطه فهو مطَهِّر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في العظم والرَّوثة:«إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ»(٥)، وإسناده جيد.