( ... ) الثالث قال: (أو رُفِعَ بقَليلِهِ حَدَثٌ) فإنه يكون طاهرًا غير مطهِّر، رُفِع بقليله حَدَثٌ سواء كان الحدثُ لكلِّ الأعضاء أو لبعضها؛ مثال ذلك: رجلٌ عنده قِدْرٌ فيه ماءٌ دون القُلَّتينِ يبغي يتوضَّأ منه، فغرف على يده فغسل كفَّيه، ثم غرف منه فغسل وجهه، إلى الآن ما صار طاهرًا غير مطهِّر، ثم وضع ذراعه غَمَسهُ فيه ونوى بذلك الغَسل فنزع يده، الآن ارتفع الحدثُ عن اليد، يكون رُفِع بقليله حَدَثٌ.
أو عنده ماءٌ دون القُلَّتينِ وكان عليه جنابةٌ، فنوى وانغمس في هذا الماء ناويًا رفعَ الجنابة وخرج، يكون هنا أيضًا رَفَعَ بقليله حَدَثًا.
أو تجمَّع منه عند الوضوء اللي يتساقط من وجهه ويديه، فهذا أيضًا رُفِع بقليله حَدَثٌ.
فإذا رُفِع بقليله حَدَثٌ فإنه يكون طاهرًا غير مطهِّر.
الدليل: ما فيه دليلٌ عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن فيه تعليل. التعليل يقولون: إن هذا الماء استُعمِلَ في طهارةٍ، فلا يُستعملُ فيها مرَّةً أخرى، فهو كالعبد إذا أُعتِقَ ما يُعتَق مرةً أخرى. هذا التعليل الذي ذكروه، ولكن هذا التعليل عليلٌ:
أولًا: لأن الفرق بين المقيس والمقيس عليه ظاهرٌ، ويُشترط في القياس تساوي المقيس والمقيس عليه في العِلَّة.
ثانيًا: أن المقيس عليه -وهو الأصل- يُمْكن أن يعود هذا المتحرِّر فيكون رقيقًا.
فإذَنْ هذا الذي ذكروه خطأٌ من وجهين؛ أولًا: أنه لا يصح القياس لظهور الفرق بين الأصل والفرع؛ إذ إنَّ الأصل المقيس عليه وهو الرقيق المحرَّر لَمَّا حرَّرْناه وأعتقْناه بقي رقيقًا ولَّا لا؟
طلبة: لا.
الشيخ: لكن هذا لما رُفِع بقليله الحدث بقي ماءً ولَّا لا؟ بقي ماءً، هذا الأصل في القياس.
ثانيًا: أنَّ الرقيق يمكن أن يعود إلى رِقِّه فيما لو هَرَب إلى الكفار ثم استولينا عليه فيما بعد، فلنا أن نسترقَّه، فحينئذٍ يعود إليه وصْفُ الرِّقِّ ويصح أن يحرَّر ثانيةً ويُستعمل في كفَّارةٍ واجبةٍ.