ولهذا مرَّ رجل بعالمين يتناظران، فقال: ما شأنكما؟ قال: كنت أحاول أن أجعل أَصْلَه طاهرًا وهو يحاول أن يجعل أصْلَه نجِسًا؛ لأن واحدًا منهم يرى نجاسة المني وواحدًا يرى طهارته.
وقد عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد مناظرة بين رَجُلَين؛ أحدهما يرى طهارة المنيِّ، والثاني يرى نجاسته، وهي مناظرة مفيدة لطالب العلم، لو رجعتم إليها في كتابه بدائع الفوائد غير الفوائد، له كتاب اسمه الفوائد وكتاب اسمه بدائع الفوائد.
فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون: إنه نجس كفَضَلات بني آدم، فإن فَضَلات بني آدم كالبول والغائط نجسة، فلماذا لا تجعلون هذا مثله؟
فالجواب: أنه ليس جميع فضلات بني آدم نجسة، فَرِيقُهُ، مُخَاطُه، عَرَقُه كلُّه طاهر.
ثم هناك فرق بين البول والغائط وبين المنيِّ؛ البول والغائط هو فَضْلَةُ الطَّعام والشَّراب، وله رائحة كريهة مستخْبَثَة في مشامِّ الناس وفي مناظر الناس، فكان نجسًا، أما المنيُّ فبالعكس؛ المنيُّ في الواقع خلاصة خلاصة الطَّعام؛ لأنه عبارة عن تحول المني لقوة ما حصل من الشهوة في البدن والحرارة، حتى وصل إلى هذا الماء الذي يشتمل على حيوانات كثيرة جدًّا مهيئة لأن تكون أصلًا لبني آدم، فكيف تكون هذه الخلاصة مثل السفل الذي هو الفاسد من الطعام والشراب؟ ! الطعام والشراب يتحول أولًا إلى دم، هذا الدَّم يسقي الله تعالى به الجسم؛ ولهذا يمر على الجسم كلِّه، كما يعرفه من يعرف دورات الدماء، ثم عند حدوث الشَّهوة يتحوَّل إلى هذا الماء الذي يُخلَق منه الآدمي.
فالفرق بين الفضْلَتَين من حيث الحقيقة واضح جدًّا، وإذا كان الفرق واضحًا هل يمكن أن نُلحِق إحداهما بالأخرى في الحكْم ولَّا لا؟