قال المؤلف رحمه الله:(ومنيُّ الآدمي) هذا أحد المسائل المتعددة؛ بول ما يؤكل لحمه، وروثه ومنيه؛ ومني الآدمي، ورطوبة فرج المرأة، وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة، هذه ست مسائل كلها أخبر عنها بخبر واحد وهو قوله:(طاهر).
منيُّ الآدمي طاهر، والمنِيُّ هو الذي يَخْرج من الإنسان بالشَّهْوة، وهو ماء غليظ، وَصَفَهُ الله بقوله:{مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[المرسلات: ٢٠]{مَهِينٍ} يعني: غليظ، ما يسيل من غلظه، بخلاف الماء الذي يسيل، فهو ماء ليس بِمَهين، بل مُتَحرِّك، هذا الماء مِنْه خُلِقَ بنو آدم، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: ١٢، ١٣]، فمن هذا الماء خُلِق الأنبياء والأولياء خُلِق الصِّدِّيقون والشُّهداء والصَّالحون، فهو طاهر.
ولنا في تقرير طهارته ثلاثة طُرُق:
الطريق الأول: أن الأصل في الأشياء الطهارة، هذا واحد، فمن ادَّعى أن شيئًا ما نجس فعليه الدليل.
ثانيًا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كانت أم المؤمنين عائشة تغسل الرطب من منيِّه وتَفرُك اليابس (١٥)، تفركه بظفرها بدون غسل، ويصلي فيه ولو كان نَجِسًا ما اكتفي فيه بالفَرْكِ؛ لأن النجاسة ما يكتفى فيها بالفرك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في دَمِ الحيض يُصيب الثَّوب، قال:«تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ بِالْمَاءِ» أو قال: «تَغْسِلُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ»(١٦)، فلا بد من الغَسْل بعد الحتِّ، ولو كان نجسًا لكان لا بد من غَسْله بكل حال.
أما الطريق الثالث فهو أن هذا الماء أصل عِبَاد الله المخلصين من النَّبيين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وتأبى حكمة الله عز وجل أن يكون أصل هؤلاء البَررة الأطهار نَجِسًا.