المتولد من الحمار الأهلي وهو البغل متولد من الفرس، لماذا كان نجسًا؟ تغليبًا لجانب الحظر؛ لأن هذا البغل خُلِقَ من الفرس والحمار الأهليِّ، على وجه لا يتميَّز به أحدهما عن الآخر، فلا يمكن اجتناب الحرام إلا باجتناب الحلال، ولا تمييز بينهما، فيكون البغل نجسًا هو حرام لا شك فيه، لكن يكون نجسًا؛ لأنه متولد من نجس وطاهر، فغلب جانب الحظر.
إذا كانت هذه الأشياء نجسة فإن أسآرها نجسة؛ يعني: بقية شرابها وطعامها يكون نجسًا، فلو أن حمارًا شرب من إناء وبقي بعد شربه شيء من الماء، فإن هذا الماء نجس، هذا كلام المؤلف، ولنقر عليه.
وذهب بعض العلماء وكثير من أهل العلم إلى أن أسآر هذه البهائم طاهر؛ أي: أنها لو شربت من الإناء فإن الماء لا ينجس، قال: لأن هذا يشق التحرز منه غالبًا؛ فإن الناس في البادية تكون أوانيهم ظاهرة مكشوفة، فتأتي هذه الأشياء؛ السِّباع فترد عليها وتشرب، فلو ألزمنا الناس بوجوب إراقة الماء وبوجوب غسل الإناء بعدها لكان في ذلك مشقَّة.
وعلى هذا فتكون طاهرة، والأحاديث في ذلك فيها شيء من التَّعارض؛ فبعضها يدلُّ على النَّجاسة، وبعضها يدلُّ على الطَّهارة.
فممَّا وَرَدَ مما يدلُّ على الطَّهارة حديث القُلَّتين؛ حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الماء وما ينوبُه من السِّباع؟ فقال:«إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ»(٢٢)، ولم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام: هذه السباع طاهرة، بل جعل الحكم منوطًا بالماء، وأنه إذا بلغ قُلَّتين لم يحمل الخبث، فدلَّ ذلك على أن ورود هذه السِّباع على الماء يجعله خبيثًا، لولا أيش؟ لولا أن الماء بلغ قلتين.