للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيه أحاديث أخر، وإن كان فيها ضعف، لكنها لها عِدَّة طرق تدلُّ على أن أسآر البهائم هذه طاهرة؛ حيث سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا بَقِيَ» (٢٣)، وهذا يدلُّ على أنه طاهر ولا بأس به.

ويمكن أن يجمع بين الحديثين، فيُقال: إن كان الماء كثيرًا لا يتغيَّر بالشُّرب فإنه لا بأس به، يكون طهورًا، وإن تغير -كما لو رأينا الماء تغير بسبب شربها منه- فإنه يكون نجسًا، وبهذا نجمع بين الأحاديث، ونقول: سؤر هذه البهائم إن كان كثيرًا لم ينجس، وإن كان يسيرًا وتغير بالنجاسة فإنه ينجس، وحينئذٍ نكون وفَّقنا بين الأدلة واعتمدنا على علة معقولة.

إلا أن الحمار الأهلي والبغل فيهما قول قوي بالطهارة؛ يعني: أنهما طاهران، وهذا اختيار الموفق رحمه الله من أصحاب الإمام أحمد ومن العلماء المجتهدين في مذهب الإمام أحمد، يقول: الصحيح طهارة البغل والحمار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل والأمة يركبونهما ولا يخلو ركوبهما من عَرَقٍ ومن مطر ينزل، وقد تكون الثياب رطبة أو البدن رطبًا، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته بأن يتحرزوا من ذلك.

وهذا القول هو الصَّحيح؛ أن الحمار الأهلي والبغل طاهران، فسؤرهما يكون طاهرًا، وعرقهما طاهر، وريقهما طاهر، وما يخرج من أنفيهما طاهر أيضًا، وهذا يؤيِّد ما أشرنا إليه من قبل في حديث أبي قتادة في الهِرَّة: «إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» (١٧)، فإن الحمار بلا شكٍّ من الطَّوافين علينا، ولا سيما أهل الحُمُر الذين اعتادوهن، فإن التحرُّز منهن شاقٌّ جدًّا.

فإن قال قائل: الكلاب أيضًا لمن يجوز له اقتناؤها كصاحب الزَّرع والماشية والصَّيد يكثر دورانها وتطوافها؟

طلبة: ورد فيه نص.

<<  <  ج: ص:  >  >>