إذن بيت المال له مصادر وله موارد ترد عليه من هذه الوجوه التي ذكرت، وأما المصادر ففي مصالح المسلمين عمومًا، ومن مصالح المسلمين الإنفاق على اللقطة، ولهذا قال:(وإلا فمن بيت المال)، ثم قال:(وهو مسلم)، قوله:(وهو مسلم) كقوله: وهو حر، ولهذا لو أن المؤلف رحمه الله قال: وهو حر مسلم لاكتفى عن العبارة الثانية وهو قوله: (وهو مسلم) يعني أن اللقيط مسلم حكمًا، لكن بشرط أن يكون في دار إسلام خالصة أو بالأكثرية، فإن كان في بلاد كفر فإنه يكون كافرًا تبعًا للدار، وقيل: بل هو مسلم مطلقًا، وهو ظاهر كلام المؤلف، وهو الصحيح أنه مسلم، حتى وإن وجد بدار كفر؛ وذلك لأن نسبه مجهول، فإذا كان ليس له أب يُنسب إليه قرابة فإنه ليس له أب ينسب إليه دينًا من باب أولى، فإذا كان هذا اللقيط ليس له أب ينسب إليه قرابة فإننا نقول أيضًا: إنه ليس له أب ينسب إليه دينًا؛ لأن الطفل إنما يتبع أبويه في الدين إذا كان أبواه معلومين، وكان كل منهما كافرًا أولًا، المؤلف يقول: وهو مسلم، وظاهر كلامه أنه مسلم بكل حال، حتى وإن وجد بدار كفر كل أهلها كفار؛ وذلك لأنه ليس له أب شرعًا، فانقطعت التبعية، وإذا انقطعت التبعية فكل مولود يُولد على أيش؟ على الفطرة.
ولهذا نقول: إن القول الراجح أنه مسلم يحكم بإسلامه، حتى وإن وجد في دار كفر، صحيح أنه إذا وجد في دار كفر فإن الغالب أنه من هؤلاء الكفار، لكننا نقول: إن انقطاع تبعيته نسبًا يستلزم انقطاع تبعيته دينًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«فَأَبَوَاه يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ»(٣)، وهذا الطفل ليس له أبوان، فلما انقطعت تبعيته في الأبوين من حيث النسب فلتنقطع من حيث الدين، ونرجع إلى أي شيء؟ إلى الأصل، وهو الفطرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فَأَبَوَاه يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ».