ولكن لنرجع ولننظر في الواقع أو في هذه المسألة على وجه النقاش فنقول: أما اشتراط كونه طبيبًا فهذا حق، لا بد أن يكون طبيبًا، ولكن ما رأيك لو كان غير طبيب لكنه مُقلِّد لطبيب؛ أي أنه قد سمع من طبيب ماهر أن هذا المرض مخوف، فهل يؤخذ بقوله؟ الجواب: نعم، يؤخذ، على القول الراجح يؤخذ؛ لأنه أخبر عن طبيب، فكما أنه في المسائل الشرعية لو أخبرك شخص عن عالم بأنه قال: هذا حرام فإنك تقبل قوله ولو كان عاميًّا إذا كان هذا العامي مقبول الخبر.
وأما قول المؤلف:(مسلمان) فالصحيح أن الإسلام لا يُشترط في الطبيب لا في مسألة أن المرض مخوف، ولا في مسألة تجنب ما يحتاج المريض إلى تجنبه كما لو قال له: لا تصم؛ فإن الصوم يضرك، فالصحيح أن الإسلام ليس بشرط، وإنما الذي يشترط الأمانة، إذا كان أمينًا، نعلم أن هذا الطبيب أمين وليس له هوى، فإننا نقبل قوله ولو كان غير مسلم.
والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بقول الكافر في الأمور المادية التي مستندها التجارب، وذلك حين استأجر رجلًا مشركًا من بني الديل، يُقال له: عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق في سفره في الهجرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استأجر هذا الرجل وهو كافر، وأعطاه بعيره وبعير أبي بكر ليأتي بهما بعد ثلاث ليالٍ إلى غار ثور (١). هذا ائتمان عظيم لا على المال ولا على النفس، أما على المال فقد أعطياه الراحلتين، وأما على النفس فإنه سيدلهم على الطريق مع أن قريشًا قد اشتد طلبها للرجلين للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وجعلوا لمن أتى بهما مئتي بعير لكل واحد مئة، وهذا الكافر ربما يقول: هذه فرصة العمر، أُسَلِّم الرجلين وآخذ مئتي بعير، لكنه أمين، فدل هذا على اعتبار قول الكافر إذا كان أمينًا.
إذن (مسلمان) الصحيح أن نجعل بدل هذه الكلمة (أمينًا).