للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن الوصية بالتصرف ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جعل أمر الخلافة شورى بين الستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الوصية الأصل فيها الجواز، إذا كان الموصي عاقلًا، ولكن ما حكم الوصية بالمال؟ بينه المؤلف، قال: يُسنُّ لمن ترك خيرًا -وهو المال الكثير- أن يوصي بالخمس، يُسن أن يوصي بالخمس، لكن إذا ترك خيرًا، والخير هنا هو المال الكثير.

ما هو الدليل على مشروعية الوصية إذا ترك خيرًا كثيرًا؟

الدليل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠]. فهذه الآية تدل على مشروعية الوصية، بل على أن الوصية فرْض لمن ترك خيرًا أن يوصي للوالدين والأقربين بالمعروف.

نُسخ منها مَن كان وارثًا من هؤلاء فإنه لا يُوصى له، وبقي مَنْ ليس بوارث، وظاهر الآية الكريمة أن من ليس بوارث تجب الوصية له، ولكن أكثر العلماء من المفسرين والفقهاء يقولون: إن الوجوب منسوخ إلى الاستحباب. والذي يظهر لي أنه ليس بمنسوخ؛ لأنه لا دليل على النسخ.

فإذا قال قائل: لو كان الوجوب باقيًا لتوافرت النقول عن الصحابة رضي الله عنهم بالوصية مع أن الوصية بين الصحابة قليلة؟

فالجواب أن يُقال: هذا الاحتمال لا شك أنه يُضعف القول بالوجوب لكن ما دام أمامنا شيء صريح من كتاب الله عز وجل، فإن عدم العمل به يدل على أن من الصحابة أو أن أكثر الصحابة يقولون بأن الوجوب منسوخ، ونحن إنما نُكلَّف بما يدل عليه كلام الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>