ولكن لو قال قائل: العبد ليس عنده مال، ولكن لو فرض أن أحدًا من الناس قال له: اشترِ نفسك من سيدك، وأنا أعطيك المال نقدًا، هل يصح؟ يصح؛ ولهذا يُعتبر اشتراط التأجيل إن أراد به المؤلف أنه لا بد من التأجيل فهذا ليس بصحيح؛ لأنه قد تكون القضية كقضية بريرة مع عائشة؛ بريرة كاتبت أهلها على تسع أواقٍ، ثم جاءت تستعين عائشة، فقالت عائشة: إن أراد أهلك أن أعدَّها لهم ويكون ولاؤك لي فعلتُ (٨)، فهذا دليل على أن الكتابة يجوز أن تكون بحالٍّ إذا كان من غير العبد، أما من العبد فهذا متعذر؛ لأنه لا يملك.
يقول:(في ذمته) في ذمة من؟ في ذمة العبد، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن تقع على عين؛ إذ إنه ليس له مال، فصار لا بد أن يكون مؤجلًا في الذمة.
ثم بَيَّن المؤلف حكم الكتابة فقال:(تُسَن مع أمانة العبد وكسبه)، نعم (تُسَن) أفادنا المؤلف أن الكتابة سنة إذا كان العبد أمينًا قادرًا على التكسب، فقول المؤلف:(تُسَن) بهذين الشرطين: أن يكون العبد أمينًا قادرًا على التكسب، فإن لم يكن أمينًا؛ بأن كان يخشى من عتقه أن يذهب إلى الكفار ويكون معهم على المسلمين، أو خُشِيَ أنه إذا عتق سعى في الأرض فسادًا فهنا لا تسن الكتابة؛ كذا يا أخ؟ ماذا قلت أنا؟
طالب: إذا كان العبد يُخْشَى فساده أو ذهابه للكفار لا يسن عتقه أو مكاتبته.
الشيخ: لا تُسَن مكاتبته، صحيح؟ نعم؛ لأنه ليس بأمين، ولأن العتق هنا يفضي إلى شر، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح، العتق لا شك أنه مصلحة، لكن المفسدة التي تترتب عليه يجب درؤها.
الثاني: قدرته على التكسب، فإن كان عاجزًا عن التكسب كما لو كان زمِنًا؛ يعني: لا يستطيع أن يكتسب ولا يسعى، فهنا لا تُسَن الكتابة.
دليل هذا قول الله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النور: ٣٣]، قال المفسرون: أي صلاحًا في دينهم وكسبًا.