فإن لم نعلم خيرًا يقول المؤلف:(وتكره مع عدمه) مع عدم الخير؛ يعني: تُكْرَه إذا كان يُخْشَى منه الشر والفساد، أو إذا لم يكن ذا كسبٍ؛ لأنه إذا أعتق وليس ذا كسب صار كلًّا على نفسه وعلى غيره.
ونرجع إلى قول المؤلف:(تُسَن) فإن هذه المسألة فيها خلاف، إذا علم السيد في عبده خيرًا وطلب منه العبد الكتابة، فالمؤلف يرى أن إجابته سنة، وتعليل ذلك أن الله أمر به فقال:{فَكَاتِبُوهُمْ}[النور: ٣٣]، وتعليل كون الأمر للندب لا للوجوب أن العبد ملك للسيد، ولا يُجْبَر الإنسان على إزالة ملكه إلا إذا تعلق به حق الآدمي.
وقال بعض العلماء -ومنهم الظاهرية-: إن الكتابة تجب إذا طلبها العبد بهذا الشرط {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النور: ٣٣]، قالوا: لأن الأصل في الأمر الوجوب، ولأن في هذا تكثيرًا للأحرار، والشارع له تشوف إلى الحرية حتى إنه يعتق بالتمثيل، ويعتق بالسراية.
وأما الجواب عن قولهم: إن الإنسان لا يُجْبَر على إزالة ملكه إلا إذا كان لآدمي، فيقال: بل قد يُجْبَر ولو لغير آدمي؛ كما في الزكاة يجب أن يخرجها الإنسان من ملكه بأمر الله عز وجل، وهذا القول قوي جدًّا؛ أي: وجوب إجابة العبد إلى الكتابة إذا طلبها بشرط أن نعلم فيه خيرًا.
ثم قال:(ويجوز بيع المكاتب، ومشتريه يقوم مقام مكاتبه) يعني: لو أن الرجل كاتب عبده وأراد أن يبيعه هل يجوز؟
الجواب: نعم، يجوز، ودليل ذلك حديث عائشة في قصة بريرة: أن عائشة اشترتها من أهلها، فأجازها النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها على ذلك، بل أذن لها باللفظ قال:«خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ»(٨)، فبيع المكاتب يجوز.