الشيخ: من الأول، طيب، الثاني: مارُفِع به حدثٌ وهو قليل، الثالث: ما غُمِس فيه يدُ قائمٍ من نومِ ليلٍ ناقِضٍ لوضوءٍ بالشروط، الرابع: ما أُزيلتْ به نجاسةٌ وانفصل عن محلٍّ طاهرٍ لقوله: (أوْ كان آخرَ غَسْلةٍ زالتْ بها النجاسة فَطَاهرٌ)، هذا هو الطاهر على قول مَن يقول: إن المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، والصحيح أن هذا القِسم برأسه ليس بموجودٍ ولا يوجَد له أصلٌ في الشريعةِ، وأن الماء إمَّا طَهورٌ وإمَّا نجسٌ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والدليل على هذا عَدَمُ الدليلِ، كيف الدليل عَدَم الدليل؟
نقول: لو كان هذا -أعني القِسم الطاهر- لو كان هذا ثابتًا في الشرع لكان أمْرًا معلومًا مفهومًا تأتي به الأحاديثُ بيِّنةً واضحةً؛ لأنه ليس بالأمر الهيِّن؛ إذ إنه يترتَّب عليه أن يصلي الإنسانُ إمَّا بتيمُّمٍ وإمَّا بماءٍ.
افرضْ مثلًا أن عندي ماء تغيَّر بساقطٍ فيه لكنْ باقٍ على اسم الماء، فأنا على هذا المذهب أتيمَّم ولَّا لا؟
على المذهب أتيمَّم ولا أستعملُ هذا الماءَ، وعلى رأي شيخ الإسلام يجب أن أستعمله ولا يجوز أن أتيمَّم.
هذا أمرٌ يحتاج الناس إليه كحاجتهم إلى العلم بأنَّ البول ناقضٌ للوضوء أو الريح ناقضةٌ للوضوء أو ما أَشْبه ذلك، فهو من الأمور التي تتوفَّر أو تتوافر الدواعي على نقْلها لو كان هذا ثابتًا.
وعلى هذا فالقول الراجح أنه ليس لدينا إلا قِسمانِ وهما: الطَّهور والنجس؛ فما تغيَّر بنجاسةٍ فهو نجسٌ، وما لم يتغيَّر بنجاسةٍ فهو طَهورٌ، ومع ذلك الفقهاء -رحمهم الله- لما عَلِموا أنَّ هذه المسائل فيها بعضُ الشُّبَه حَكَموا على بعضها أن يستعملها الإنسانُ ويتيمَّم:
مرَّ علينا ما خَلَتْ به المرأة، قالوا: إنه إذا لم يجد الرجلُ سواه استعمَلَه وتيمَّمَ. هذه واحدة.
وقالوا أيضًا فيما غُمِس فيه يد القائم من نوم الليل: إذا لم يجد غيرَه استعمَلَه وتيمَّمَ.