فإن أكتسب الإنسان هذا الرزق من طريق حلال برئ من عهدته، وإلا فلا نقول: لا تأكل، نقول: كل، ولكن يترتب عليك من الإثم ما يترتب على فاعل المحرم، إذن صار الكافر في الدنيا أشد مسؤولية من المؤمن؛ لأن الكافر يحاسب على الأكل والشرب واللباس، وكل نعمة.
أما النظر الذي يدل على أن الكافر يعذب في الآخرة على ما استمتع به من نعم الله فلأن العقل يقتضي أن من أحسن إليك فإنك تقابله بالامتثال والطاعة إذا أمرك، ويرى العقل أن من أقبح القبائح أن تنابذ من أحسن إليك بالاستكبار عن طاعته وتكذيب خبره، ولهذا قال الله عز وجل في الحديث القدسي:«كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ»(٤)، ابن آدم شوف من هو ابن آدم؟ الكافر هو الذي كذب الله وشتمه «وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ»، ليس من حقه أن يكذب الله وأن يشتم الله، فإذا لم يكن ذلك حقًّا له دل على أن عمله من أقبح القبائح أن يستمتع بنعم الله عز وجل، ثم مع ذلك ينكر هذا الفضل بالاستكبار عن الطاعة، وتكذيب الخبر.
يقول المؤلف:(مكلف)، التكليف في اللغة: إلزام ما فيه مشقة، ولكن في الشرع ليس كذلك؛ لأن الشرع ما فيه مشقة إطلاقًا {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦].
ولكنه في الشرع: إلزام مقتضى خطاب الشرع، هذا التكليف أن تلزمه بمقتضى خطاب الشرع، سواء حصل عليه بمشقة أم لم يحصل، بل إنه إذا كانت فيه مشقة فالشرع لا يلزمه بذلك.
والتكليف يتضمن وصفين هما: البلوغ والعقل، إذن معنى مكلف: بالغ عاقل، فغير البالغ لا تلزمه الصلاة بالدليل الأثري والنظري، وكذلك غير العاقل.
أما الأثري فقوله صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ»(٥).