وأما النظر فلأنهما -أي الصغير والمجنون- ليسا أهلًا للتكليف؛ إذ إن قصدهما مهما كان فهو قاصر، ولهذا يختلف غير المكلف عن المكلف في بعض الأمور؛ أبيح للصبي من اللعب واللهو ما لم يبح لغيره، كذلك الصبي وسّع له في الواجبات ما لم يوسع لغيره، حتى إن الشيء الذي يكون جريمة كبرى في البالغ لا يكون جريمة في الصغير؛ لو زنى أو سرق تقطع يده ولَّا لا؟ ما تقطع يده؛ لأنه غير مكلف، فنظره قاصر، وقصده كذلك قاصر، بهذا سقطت عنه الواجبات، والمجنون من باب أولى، المجنون البالغ ما رأيكم فيه؟
طلبة: غير مكلف.
الشيخ: غير مكلف، إي نعم، غير مكلف.
قال المؤلف:(إلا حائضًا ونفساء).
فإن قلت: إذا لم يجب على الصبي صلاة؛ أفليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب على الإنسان أن يأمر ابنه أو ابنته بالصلاة لسبع، ويضربه عليها لعشر (٦)؟ وهل يضرب الإنسان على شيء لا يجب عليه؟
الجواب على ذلك أن نقول: أما بالنسبة لإلزام الوالد بأمر أولاده وضربهم؛ فلأن هذا من تمام الرعاية والقيام بالمسؤولية التي حُمِّلها، والأب أهل للمسؤولية ولَّا لا؟ أهل للمسؤولية، فيلزمه أن يأمرهم بالصلاة لسبع ويضربهم عليها لعشر؛ لأن ذلك من تمام التأديب، والقيام بالمسؤولية، لا؛ لأن الصبي تجب عليه الصلاة، لو كان الصبي له ست سنوات؛ ذكي جيد يأمره ولَّا لا؟
طلبة: يأمره.
طلبة آخرون: لا.
الشيخ: لا، ظاهر الحديث أنه لا؛ لأن الشارع حدها بالسبع؛ لأن السبع في الغالب يكون بها التمييز.
فإن قلنا بأن التمييز ليس مخصوصًا أو ليس مقدَّرًا بسنّ، وإنما هو بالمعنى، وأن التمييز هو: أن يفهم الخطاب، ويرد الجواب، كما يدل عليه الاشتقاق، فهل نجعل الحكم منوطًا به أو لا؟ هذا محل نظر، قد يقال: إننا نجعل الحكم منوطًا بالتمييز، وقد يقال: نجعله بالسبع، والشارع أحكم منا، فربما يكون قبل السبع لا يتحمل أن يؤمر، وإن كان ذكيًّا.