يبقى أن نقول: إن مقتضى استدلالنا بهذه الآية أن نقول بكفر تارك الزكاة، أليس كذلك؟
فنقول: من العلماء من التزم بذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد، أن من ترك الزكاة بخلًا وتهاونًا، فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، ولكن يمنع هذا القول ما ثبت في صحيح مسلم (١١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فيمن آتاه الله مالًا من الذهب والفضة ولم يؤد زكاته، حيث قال عليه الصلاة والسلام:«مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ وَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».
وهذا يدل على أيش؟ على أنه ليس بكافر؛ إذ لو كان كافرًا لم يجد سبيلًا إلى الجنة، وعلى هذا فيكون مفهوم الآية بالنسبة للزكاة غير معتبر، بدليل هذا الحديث.
أما من السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»(٨)، وقال:«الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»(٩). فقال:«بَيْنَ»، والبينيَّة تقتضي التمييز بين الشيئين، فهذا في حد وهذا في حد، «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ».