وذلك وجه الدلالة؛ الدليل على هذا عدم الدليل، كيف الدليل عدم الدليل؟
نقول: لو كان هذا -أعني القسم الطاهر- ثابتًا في الشرع لكان أمرًا معلومًا مفهومًا تأتي به الأحاديث بينة واضحة؛ لأنه ليس بالأمر الهين؛ إذ إنه يترتب عليه أن يصلي الإنسان؛ إما بتيمم وإما بماء، افرض مثلًا أن عندي شيئًا تغير بساقط فيه، ماء تغير بساقط فيه، لكن باقٍ على اسم الماء، فأنا على هذا المذهب أتيمم ولَّا لا؟
على المذهب أتيمم، ولا أستعمل هذا الماء، وعلى رأي شيخ الإسلام: يجب أن أستعمله، ولا يجوز أن أتيمم، هذا أمر يحتاج الناس إليه كحاجتهم إلى العلم؛ بأن البول ناقض للوضوء، أو الريح ناقضة للوضوء، أو ما أشبه ذلك، فهو من الأمور التي تتوفر أو تتوافر الدواعي على نقلها لو كان هذا ثابتًا، وعلى هذا؛ فالقول الراجح أنه ليس لدينا إلا قسمان؛ وهما: الطهور والنجس، فما تغير بنجاسة فهو نجس، وما لم يتغير بنجاسة فهو طهور، ومع ذلك الفقهاء -رحمهم الله- لما علموا أن هذه المسائل فيها بعض الشبه حكموا على بعضها أن يستعملها الإنسان ويتيمم، مر علينا ما خلت به المرأة، قالوا: إنه إذا لم يجد الرجل سواه استعمله وتيمَّم، هذه واحدة، وقالوا أيضًا -فيما غمس فيه يد القائم من نوم الليل-: إذا لم يجد غيره استعمله وتيمم.
وقالوا أيضًا -فيما غُسل به الذكر والأنثيان لخروج المذي-: ما هو عن نجاسة فإنه يكون طاهرًا غير مطهّر، لكن إذا لم يجد غيره استعمله وتيمَّم، وقالوا -فيما إذا اشتبه طهور بطاهر، واحتاج أحدهما للشرب-: تحرَّى وتوضأ بما يغلب على ظنه أنه طهور، ثم يتيمم، هذه أربع مسائل ذكر الفقهاء أنه يجب على المرء أن يستعمل فيها الماء ويتيمم.
وهذا أيضًا قول ضعيف؛ إذ لا يوجب الله تعالى على المرء طهارتين، فإما طهارة بالماء وإما طهارة بالتيمم، ولا فيه طهارتان بالشرع.
طالب: على قول المذهب تكون إذا زالت النجاسة بالغسلة الأولى تكون الثانية طاهرة؟