للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا التعليل فيُشْتَرَط في السكران أن يكون قد سَكِر على وجه مُحَرَّم، أما لو سَكِر على وجه مباح، مثل أن يشرب شرابًا ما علم أنه مُسْكِر فسكر منه، فهذا لا حَدّ عليه، يعني لا عقوبة عليه ولا حكم لكلامه؛ لأنه معذور.

ولكن المسألة الأولى -إذا كان غير معذور- يقولون: إن هذا الرجل فقد عقله بشيء محرَّم، فلا ينبغي أن يقابل أو أن يعامَل بالرخصة وعدم المؤاخَذة، وعليه فتكون مؤاخذته من باب العقوبة عليه.

والصواب خلاف هذا، وأن السكران لا حكم لأقواله؛ لا طلاقه، ولا إيلائه، ولا ظهاره، ولا عتقه، ولا وَقْفه، السكران لا يؤاخَذ بشيء أبدًا؛ لأنه فاقِدٌ عقلَه، فهو كالمجنون، وكوننا نعاقبه بأمر ليس من فعله ولا من اختياره ليس بصحيح، نعاقبه على شرب الخمر؛ لأنه باختياره، ولهذا لو نَسِي أو جهل أو أُكْرِه على شرب الخمر ما يعاقَب ولا بالجلد، هذا القول الذي قاله ما نعاقبه عليه؛ لأنه بغير اختياره، ما قال قولًا باختياره.

ثم إن عقوبة شارب الخمر معروفة وهي الجلْد، بأربعين جلدة، بستين جلدة، بثمانين جلدة، بمئة جلدة، بمئة وخمسين جلدة، أو أكثر من ذلك، حسب ما يرتدع به الناس، وعلى هذا فنحن لا نزيد على العقوبة التي جاء بها الشرع.

صحيح نزيد العدد، لكن النوعية ما نزيد، ولهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى الناس كثر منهم شرب الخمر جمع الصحابة وشاورهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: أَخَفّ الحدود ثمانون، فأمر به فجُعِلت ثمانين.

وهذا شبه اتفاق من الصحابة رضي الله عنهم على أن عقوبة شارب الخمر ليست حدًّا، من وجهين: الوجه الأول أنه قال: أخفّ الحدود، فعُلِم أن الأربعين التي جَلَدَها النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر (٩) حَدٌّ ولّا لا؟ ما هي حدّ، لو كانت حدًّا لكان أخف الحدود أربعين، بل قال: أخف الحدود ثمانون.

الوجه الثاني: لو كانت الأربعون حدًّا ما جاز لعمر ولا لغير عمر ..

<<  <  ج: ص:  >  >>