لكن لو قال قائل: أنا أتهيَّب من خلاف الجمهور، وأريد أن أسلك الاحتياط من الوجهين، فأقول: إن أُمّ الزوجة من الرضاع ليست حرامًا على الزوج، لكن لا أُحِلّ لها أن تكشف الوجه، يعنى: لا أُحِلّ له أن يتزوج بها موافقةً لمن للجمهور، ولا أُحِلّ لها أن تكشف وجهها، موافقةً لقول شيخ الإسلام فأعمل بالاحتياط، لو أردت أن أسلك هذا المسلك فهل لذلك أصل؟
الجواب: نعم، لذلك أصل، والأصل في ذلك قصة سودة بنت زمعة حين تنازَع عَبْد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص، تنازعا في ماذا؟ في وَلِيد، عبد بن زمعة تنازع فيه هو وسعد بن أبي وقاص، فقال: يا رسول الله، إن هذا وُلِدَ من أخي عتبة بن أبي وقاص، وأنه عهد به إلَيَّ، وقال أخو سودة بنت زمعة: يا رسول الله، إنه أخي، وُلِدَ على فراش أبي من وليدته، فقال له سعد: يا رسول الله، انظر إلى شبهه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم إلى شبهه رأى شبهًا بَيِّنًا بعتبة، ولكنه قال:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ».
الآن حكم بأن هذا الولد أخٌ لسودة، وأَمَرَهَا بأن تحتجب منه، لماذا أمرها أن تحتجب؟ احتياطًا؛ لأنه رأى شبهًا بَيِّنًا بعتبة، فأمرها بالاحتجاب، فهل هذا من باب إعمال الدَّلِيلَيْنِ، أو من باب الاحتياط؟
طلبة: من باب الاحتياط.
الشيخ: قال بعض منهم: من باب إعمال الدليلين، وقال بعضهم: إنه من باب الاحتياط، والأقرب أنه من باب الاحتياط؛ لأن هذين الدليلين أحكامهما متنافية ما يمكن تجتمع، فإما هذا وإما هذا، ولكن هذا من باب الاحتياط، فلو ذهب ذاهب في هذه المسألة -يعني المسألة اللي كنا نتكلم عليها- وقال: إن الرضاع لا يؤثر في التحريم بالنسبة للمصاهرة، لكني آمُرُه ألَّا يتزوج بهنّ احتياطًا، لو ذهب ذاهب إلى ذلك لم يكن هذا بعيدًا من الصواب.