وكذلك رُوِيَ أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر امرأة أبي حذيفة أن تُرْضِعَ سالِمًا مولى أبي حذيفة خمس رضعات، فهذا هو دليل الخمس، وهو الصحيح.
وقال بعض أهل العلم: إن الرضاع مُحَرِّمٌ قليله وكثيرة، حتى ادعى بعضهم أنه قول الجمهور، واستدلوا لذلك بإطلاق الآية الكريمة {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، فالآية مُطْلَقَة، والفعل يصدُق على القليل والكثير، فإذا حصل الإرضاع ثبت الحكم.
وقال بعض أهل العلم: إن الْمُحَرِّم ثلاث رضعات فقط، الثنتان لا تُحَرِّم، والثلاث تُحَرِّم، واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ، وَلَا الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ، وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ»، كله رُوِيَ هكذا، قالوا: فمفهوم العدد أن ما زاد عليهما مُحَرِّم، ونحن نرى أن الشارع اعتبر العدد الثلاث في مواضع كثيرة، أو لا؟
العدد الثلاث مُعْتَبَر في مواضع كثيرة، مثل الطلاق، و «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا»، والوضوء ثلاثًا، والصيام ثلاثة أيام من كل شهر.
طالب: الاستئذان.
الشيخ: والاستئذان ثلاثًا، وإعادة السلام ثلاثًا، وأشياء كثيرة، فاعتبار الثلاث في الشرع كثيرة، فليلحق بها الرَّضاع.
وهذا الحديث يَرُدّ على الذين قالوا: إنه يحرُم قليلُ الرضاع وكثيرُه؛ لأنه صريح، بل في صحيح مسلم أن رجلًا كان معه امرأة، فتزوج امرأة أخرى، فقالت زوجته الأولى: يا رسول الله، إني قد أرضعتها رضعة أو رضعتين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ»، هي رضعت من لبنها، ومع ذلك أجاز الرسول له أن يتزوجها؛ لأن الرضعة والرضعتين ما تؤثر.