فأما من قال: إن لها النفقة والسكنى بكل حال، فاستدل بالعموم:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: ١] إلى أن قال: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: ٦]
فهنا يقولون: إن العموم: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}، النساء عام، {فَطَلِّقُوهُنَّ} حتى قال: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}.
ولكن هذا القول كما ترون فيه نظر، لا من حيث دلالة الكتاب، ولا من حيث معارضته للسنة، وإن كان قد ذهب إليه مَن ذهب، حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذهب إلى هذا القول؛ إلى أن المطلقة لها النفقة والسكنى ولو كانت بائنًا.
أما من حيث دلالة الكتاب فإن الله عز وجل قال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، أيش معنى هذه الآية؟ {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: ١] هذه الجملة تمنع أن يكون المراد بها البائن، أو تمنع دخول البوائن في هذا العموم.
ووجه المنع؟ أن الأمر الذي يقول الله فيه:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} هو الرجعة، والبائن ليس لها رجعة، هذا يمنع من أن يكون المراد بالآية العموم؛ لأن البائن لا رجعة لها، ونعلم أن الله لا يُحْدِثُ بعد ذلك أمرًا؛ إذ لا رجوع له فيها.